الصفحة الرئيسية
 
الصفحة الرئيسية  |  ملف االشهداء  |  ملف الأسرى  |  ملف الجدار العازل

 

مقالات وتقارير عن الجدار العازل

  • نص قرار محكمة العدل الدولية حول الجدار (للحفظ أضغط على زر الماوس الأيمن وأختار save traget as )

  • اثر جدار الضم والتوسع على التجمعات السكنية الفلسطينية

  • ندوة حول "الجدار العازل ومخاطر الترانسفير على الأردن"

  • الجدار العازل: ضرب لخيار الدولة المستقلة أم ورقة للإبتزازالسياسي؟!

  • الجدار العازل سلاحا

  • الجدار العازل حلقة جديدة من عذابات الشعب الفلسطيني

اثر جدار الضم والتوسع على التجمعات السكنية الفلسطينية
- عدد التجمعات التي يمر جدار الفصل العنصري من أراضيها، قد بلغ 149 تجمعاً سكانياً تضم 675 الف نسمة مع نهاية شهر أيار- مايو 2005. منها :
وكشف تقرير حول نتائج مسح أثر جدار الفصل العنصري على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للتجمعات الفلسطينية التي يمر الجدار من أراضيها، في حزيران- يونيو 2005، أن هذه التجمعات تتوزع حسب المحافظة إلى
- 28 تجمعاً سكانياً في محافظة جنين، و27 تجمعاً سكانياً في محافظة القدس، و21 تجمعاً سكانياً في محافظة الخليل، و20 تجمعاً سكانياً في محافظة قلقيلية، و19 تجمعاً سكانياً في محافظة رام الله والبيرة، و17 تجمعاً سكانياً في محافظة طولكرم، و9 تجمعات سكانية في منطقة سلفيت، و8 تجمعات سكانية في محافظة بيت لحم.
وبينت نتائج المسح، أن
- ثماني محافظات تأثرت بالجدار بشكل مباشر منذ بناء الجدار حتى نهاية شهر أيار 2005، وهي: جنين، طولكرم، قلقيلية ومنطقة سلفيت في شمال الضفة الغربية ومحافظة رام الله والبيرة ومحافظة القدس في وسط الضفة الغربية ومحافظات بيت لحم والخليل في جنوب الضفة الغربية.
أما على صعيد توزيع التجمعات التي يمر جدار الضم والتوسع من أراضيها حسب الموقع من الجدار، فقد بينت النتائج، أن
- هناك 15 تجمعاً سكانياً وقعت داخل جدار الضم والتوسع، منها 11 تجمعاً في منطقة شمال الضفة الغربية، حيث توزعت بواقع 4 تجمعات سكانية في محافظة جنين، و6 تجمعات سكانية في محافظة قلقيلية، وتجمع واحد في محافظة طوكرم، فيما كان هناك تجمعان سكانيان من التجمعات داخل الجدار في منطقة الوسط، وكانت تحديداً في محافظة القدس، و2 من التجمعات السكانية أصبحت داخل الجدار في جنوب الضفة الغربية في محافظة بيت لحم.
- التجمعات التي وقعت خارج الجدار، فبلغ عددها 134 تجمعاً سكانياً، كان النصيب الأكبر منها لكل من محافظة القدس 25 تجمعاً سكانياًً، ومحافظة جنين 24 تجمعاً سكانياً. فيما بلغ عدد التجمعات السكانية خارج الجدار في بقية المحافظات 16 تجمعاً في محافظة طولكرم، و 14 تجمعاً في محافظة قلقيلية، و9 تجمعات في منطقة سلفيت، و19 تجمعاً في محافظة رام الله والبيرة، و 21 تجمعاً في محافظة الخليل، و6 تجمعات في محافظة بيت لحم.
وبالنسبة للأراضي المصادرة والمعزولة، فقد
- بلغت مساحة الأراضي المصادرة منذ بناء الجدار حتى نهاية شهر أيار، 2005، والتي تم بناء الجدار وملحقاته عليها حوالي 47.921 دونماً، تركز معظمها في منطقة شمال الضفة، حيث بلغت مساحة الأراضي المصادرة في منطقة شمال الضفة 22.530 دونماً من مجموع الأراضي المصادرة، أما في منطقة وسط الضفة الغربية فقد بلغت مساحة الأراضي المصادرة 19.107 دونماً، وفي جنوب الضفة الغربية بلغت مساحة الأراضي المصادرة 6.284 دونماً.
- مساحة الأراضي المعزولة داخل الجدار، فقد بلغت مساحة الأراضي المعزولة منذ بناء الجدار حتى نهاية شهر أيار 2005، حوالي 301.122 دونماً، تركز معظمها في منطقة شمال الضفة الغربية، حيث بلغت مساحة الأراضي المعزولة في هذه المنطقة 191.336 دونماً من مجموع الأراضي المصادرة، أما في منطقة وسط الضفة الغربية فقد بلغت مساحة الأراضي المعزولة 66.023 دونماً، وفي جنوب الضفة الغربية بلغت مساحة الأراضي المعزولة 43.763 دونماً.
- أن معظم الأراضي التي تم عزلها ومصادرتها كانت تستخدم سابقاً لإغراض زراعية، حيث أفاد بذلك 129 تجمعاً سكانياً من اصل 149 تجمعاً سكانياً مر الجدار من أراضيها.
- مجموع الأسر التي هجرت من التجمعات التي يمر جدار الضم والتوسع من أراضيها منذ بناء الجدار حتى نهاية شهر أيار، 2005، قد بلغ 2.448 أسرة، في حين بلغ عدد الأفراد الذين تم تهجيرهم 14.364 فردا من التجمعات التي تأثرت بالجدار، وبلغ عدد الذكور المهجرين 7.333 فردا، مقابل 7.031 أنثى تم تهجيرهن من التجمعات التي تأثرت بالجدار.
- مجموع المنشآت الاقتصادية التي تم إغلاقها منذ البدء ببناء الجدار حتى نهاية شهر أيار 2005 قد بلغ 1.702 منشأه، منها 1.330 منشأة في شمال الضفة الغربية، و245 في وسط الضفة الغربية و127 في جنوب الضفة الغربية.
- 60 تجمعاً سكانياً من إجمالي عدد التجمعات التي يمر جدار الضم والتوسع من أراضيها قد أقيم على أراضيها طرق التفافية، منها 8 تجمعات تقع داخل الجدار، و52 تجمعاً سكانياً تقع خارج الجدار، وبالنسبة للفترة التي أقيمت فيها تلك الطرق الالتفافية، فقد بينت النتائج أن 45 تجمعاً سكانياً من إجمالي عدد التجمعات التي أقيم على أراضيها طرق التفافية، قد أقيمت قبل بناء الجدار، و15 تجمعاً سكانياً أقيمت الطرق الالتفافية على أراضيها بعد بناء الجدار.
- 61 تجمعاً سكانياً من إجمالي عدد التجمعات التي يمر جدار الضم والتوسع من أراضيها ، قد أقيم على أراضيها مستوطنات، منها 8 تجمعات تقع داخل الجدار، و53 تجمعاً سكانياً تقع خارج الجدار.
- 58 تجمعاً سكانياً من إجمالي عدد التجمعات التي أقيم على أراضيها مستوطنات، قد أقيمت قبل بناء الجدار، و3 تجمعات سكانية أقيمت عليها المستوطنات بعد بناء الجدار.
- 124 تجمعاً من التجمعات التي يمر جدار الضم والتوسع من أراضيها تلقت مساعدات خلال الـ 12 شهراً الماضية، وقد توزعت هذه التجمعات بواقع 11 تجمعاً سكانياً داخل الجدار، و113 تجمعاً سكانياً خارج الجدار.
- تلقى 91 تجمعاً مساعدات من القطاع العام الفلسطيني، و68 تجمعاً تلقت مساعدات من جهات أجنبية، و39 تجمعاً تلقت مساعدات من دول عربية، فيما قدمت وكالة الغوث مساعدات لـ 32 تجمعاً سكانياً، و20 تجمعاً تلقت مساعدات من القطاع الخاص الفلسطيني.
- 84 تجمعاً سكانياً من إجمالي التجمعات التي يمر جدار الضم والتوسع من أراضيها أظهرت الحاجة لتطوير البنية التحتية كأولوية أولى للتجمعات التي تقيم فيها، و25 تجمعاً سكانياً أظهرت حاجة التجمع لخلق فرص عمل كحاجة أولى للتجمع، و24 تجمعاً سكانياً أظهرت حاجتها للخدمات التعليمية، بينما أظهر 13 تجمعاً سكانياً حاجتها للخدمات الصحية.
المصدر : وكالة الانباء الفلسطينية وفا عن الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني .

 

ندوة حول "الجدار العازل ومخاطر الترانسفير على الأردن"، حسن البراري. مركز الدارسات الاستراتيجية، الجامعة الأردنية، 21 كانون الثاني 2004.

عقدت في مركز الدراسات الاستراتيجية ندوة بعنوان الجدار العازل ومخاطر الترانسفير على الأردن والتي قدم فيها المداخلة الرئيسية الدكتور حسن البراري منسق وحدة الدراسات الإسرائيلية في مركز الدراسات الاستراتيجية. وقد حضر الندوة عدد من كبار السياسيين والأكاديميين والصحفيين. وقدم المحاضر الفرضيات الأساسية وانعكاساتها المستقبلية على الأردن وخيارات الأردن لمواجهة الأخطار المترتبة على السياسة الإسرائيلية. تاليا ملخص لمداخلة المحاضر الرئيسية.
تكمن أهمية مؤتمرات هرتسليا السنوية والتي عادة ما تجمع غالبية النخب الإسرائيلية من الوسط اليهودي في تناولها المواضيع الحرجة في الاستراتيجية الإسرائيلية. وبالرغم من أن النخب في إسرائيل تختلف في الكثير من القضايا المطروحة إلا أنها تلتقي جميعا حول كيف تنظر إسرائيل لنفسها. فقد أكدت المؤتمرات جميعها على تأكيد تعريف إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. وبالرغم من الالتقاء على هذه القاعدة إلا أن النخب تختلف في كيفية تحقيق هذه المصلحة الوطنية الإسرائيلية. فمنهم من يرى الحل على أساس دولتين ومنهم من يطرح الانفصال الأحادي الجانب ومنهم من يطرح الترانسفير ومنهم من يدعو إلى الاستمرار في الوضع الراهن. إلا أن النتيجة العملية لعدم الاتفاق سيؤدي إلى تطورات ديمغرافية تجعل من التطهير العرقي حلا واقعيا في الخمسة عشر عاما القادمة.
إسرائيليا، ثمة حديث عن الترانسفير أو بلغة أخرى التطهير العرقي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة مما يلقي بضلال الشك على تذويت الإسرائيليين لمعاهدة وادي عربة والتي وضع بها نص لمعالجة هذه القضية بالذات. وعندما كثر الحديث في الصحافة الأردنية قبل الحرب على العراق عن نية شارون لطرد الفلسطينيين كتبت في حينها مدليا بوجهة نظري عن استحالة استغلال إسرائيل للحرب وتنفيذ الترانسفير لأسباب ذكرتها في حينه ولا داعي لتكرارها. غير انه لا يوجد في السياسة الدولية معطا ثابتا عصيا على التغيير. ومن هنا فإنني ازعم أن فكرة الترانسفير (التي لم تكن يوما من الأيام بعيدة عن الفكر الصهيوني والتي وضعت موضع التنفيذ عام 1948 كما يكشف كتاب بني موريس الاخير) قد تتحول إلى خيار إسرائيلي عقلاني إذا ما تحققت مجموعة من العوامل التي تمس المصلحة الوطنية الإسرائيلية كما تم التأكيد عليها في هرتسليا.
المصلحة الإسرائيلية العليا التي تتفق عليها كافة الأحزاب والقوى السياسية في إسرائيل هي الحفاظ على يهودية الدولة ثم ديمقراطيتها. وقد تم التأكيد على هذه القيمة العليا في الثلاثة مؤتمرات الأخيرة في هرتسليا عندما اجتمعت النخب الإسرائيلية بكل تلاوينها وأكدت على تعريف الدولة كدولة يهودية. ولا يمكن أن يقبل الصهاينة بأي وضع يهدد مثل هذا التعريف. ويجب أن نتذكر أن مبرر تبني حزب العمل "للخيار الأردني" ليس لعدم إيمان اليهود بحقهم في فلسطين بل لان هناك بعدا معياريا للصهيونية حول طبيعة الدولة كان يتطلب القبول بمساحة أصغر.
إذا استمرت إسرائيل في النشاط الاستيطاني المكثف القائم على نهب الأراضي الفلسطينية واستمرت في بناء الجدار العازل الذي يلتهم أراضي كثيرة فان ذلك سيمنع عمليا إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا ومحادية للأردن. والحديث عندها عن دولة فلسطينية مستقلة على 42% من الضفة الغربية يفقد أي معنا سياسي أو عملي أو حتى أخلاقي. وهذا في نهاية الأمر سيؤدي إلى بروز دولة واحد ثنائية القومية. وبالرغم من ذلك سيكون نظريا جيدا للفلسطينيين إلا انه في واقع الحال لن يقبل به الإسرائيليين (وحتى عتاة اليساريين) الذين عرفوا الدولة بأنها يهودية.
الإسقاطات الديمغرافية التي جرت في إسرائيل من قبل مختصين تبين أن الفلسطينيين سيكونوا أغلبية واضحة في الأراضي الممتدة من نهر الأردن إلى المتوسط في غضون أقل من عقدين من الزمن. فمثلا سيكون في فلسطين التاريخية 15 مليون نسمة في العام 2015. سيكون اليهود 6,3 مليون بينما الفلسطينيين 8،7 مليون نسمة. بمعنى آخر أن الدولة لن تكون يهودية وان الفلسطينيين سيتولون الحكم إذا ما قامت انتخابات ديمقراطية يشارك فيها الفلسطينيون.
وبما أن الإسرائيليين لن يقبلوا بذلك فان لهم خيارين لا ثالث لهما. الخيار الأول حرمان الأغلبية الفلسطينية أية حقوق سياسية وبالتالي تقيم إسرائيل دولة فصل عنصري على غرار نظام الابرتايد في جنوب إفريقيا. وبدون شك فان ذلك غير مقبول إسرائيليا عداك على أن الفلسطينيين يستطيعون عندها هزيمة مثل هذا النظام. الخيار الآخر هو العمل على جعل اليهود أغلبية وهذا يتطلب ترحيل جماعي للفلسطينيين ولو بالقوة المسلحة. بني موريس في مقالته الشهيرة مع صحيفة هارتس يتوقع أن الترانسفير.
الترانسفير ان حدث سيكون باتجاه الشرق وسيدفع الأردن ثمنا باهظا لمغامرة كهذه. وحديث بعض النخب الفلسطينية التي تصر على أن الفلسطينيين تعلموا من حرب 1948 وبالتالي لن يغادروا بيوتهم هو كلام غير واقعي ورومانسي إذا ما قررت إسرائيل بالفعل طردهم بالقوة المسلحة. والحديث بان الترانسفير غير مقبول إسرائيليا وان ليس هناك تيارا مركزيا في السياسة الإسرائيلية يتبنى خيارا كهذا كبرنامج عمل هو صحيح. ولكن استطلاعا للرأي أجراه البرفسور المعروف اشر اريان في مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في شباط 2002 بين أن 46% من المستطلعين اليهود يؤيدون خيار الترانسفير للفلسطينيين وان 31% منهم يؤيدون الترانسفير لعرب 1948. ومربط الفرس هنا انه إذا كان الترانسفير هو الحل الوحيد لضمان أغلبية يهودية وللبقاء على يهودية الدولة فان الترانسفير عندها سيصبح خيارا عقلانيا ومبرر ولن تأبه عندها إسرائيل بما سيقوله العالم عنها.
هناك مقولة يتناولها النخب الأردنية بان الترانسفير هو فزاعة. فإذا كان هذا صحيحا اليوم قد لا يكون صحيحا في الغد وعلى الأردن اتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة لإحباط سيناريو كهذا. فالمحاولة على الحصول على ضمانات جزء من سياسة مواجهة سيناريو كهذا لكن لا يمكن أن تمثل السياسة الوحيدة. وأعتقد بان على الأردن أن لا يستبعد ضرورة تدخل الجيش لمنع مثل هذا السيناريو أو على الأقل لرفع التكلفة على إسرائيل بشكل لا يطاق. وعلى الأردن أن يطور قوات ردع أو يرتبط بمعاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة.
ولا شك في أن الخارجية الأردنية تبذل جهدا مميزا لشرح خطر السياسة الإسرائيلية للرأي العام الدولي. وعلى الأردن أن يبين أن حكومة شارون هي معادية لمصالح الأردن على المدى الطويل. فمقولة بان الجدار يشكل تهديدا إسرائيليا للأردن وأمنه الوطني هي صحيحة وتهدف إلى جلب انتباه الغرب والرأي العام العالمي بان الذي يتهدد هو ليس فقط الفلسطينيين وإنما الأردن ذلك البلد المعتدل والذي يصلح نموذجا لدول الشرق الأوسط. إلا أن التاريخ علمنا أن الإسرائيليين لا يأبهون كثيرا بالرأي العام العالمي إذا ما أصبح الترانسفير المنقذ الوحيد للكابوس الديمغرافي.
ومع إيماني العميق بان الحكومة الإسرائيلية هي العائق الأكبر أمام تحقيق السلام وأنها معادية في سياساتها للأردن إلا انه لا يفيد تمترس السياسة الأردنية خلف هذا الاعتقاد. ومن الأفضل أن يمارس الأردن ضغطا على الفلسطينيين من اجل تغيير أدوات الصراع مع إسرائيل. وحبذا لو يقوم الأردن ببيان أن إدارة الفلسطينيين للصراع لن تؤدي في نهاية المطاف إلا في مساعدة القوى الإسرائيلية المعادية للأردن ولفلسطين في الاستمرار بالحكم وإلحاق الأذى بالمصالح الأردنية دون أن يؤدي ذلك إلى مكاسب فلسطينية. واحذر هنا من مغبة الوقوع في وهم أن مساندة الشعب الفلسطيني المناضل تعني عدم الاختلاف معهم أو عدم توجيه النقد اللاذع لهم
.

 

الجدار العازل: ضرب لخيار الدولة المستقلة أم ورقة للإبتزازالسياسي؟!
بقلم/ عواد الاسطل


غزة / خاص بالصباح في مقابلة مع صحيفة "الجارديان" البريطانية نشرت في الرابع والعشرين من الشهر الماضي قال الرئيس الفلسطيني " أبو عمار" أن الوقت لم يعد كافياً لإحلال السلام في الشرق الأوسط على أساس قيام دولتين : فلسطينية وإسرائيلية ، وأن إمكانية التوصل إلى الحل الذي يقوم على هذا الأساس أخذه في التلاشي محذراً بذلك من خطورة الإستمرار في بناء الجدار العازل وتوسيع المستوطنات وقبل ذلك بنحو أسبوعين ، وربما لنفس المبررات المح رئيس الوزراء الفلسطيني " أبو العلاء" إلى أن الفلسطينيين قد يتخذون إجراء أحادى الجانب بالإعلان عن دولة ثنائية القومية في فلسطين ، وهو ما أثار ردود فعل إسرائيلية هستيرية لان من شأن ذلك أن ينفي المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الدولة العبرية

والذي يعتبر أن إسرائيل دولة للشعب اليهودي.

ولعل المعنى الواضح الذي يفهم من كلا التصريحين السابقين /يشير إلى المصاعب والعراقيل الجمة التي تحول دون إحياء عملية السلام ،خاصة بعد سكوت وصمت "اللجنة الرباعية" التي تبنت رسمياً خطة " خارطة الطريق" ،عن السلوك العدواني الإستفزازي الإسرائيلي، الذي تفنن في وضع العراقيل التي من شانها أن تجهض أية خطوة تجاه تنفيذ إستحقاقات الخطة المذكورة ، وهو ما كان سبباً في إنهيار حكومة " أبو مازن" ، التي كان ينظر إلى تشكيلها على انه مقدمة ضرورية لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة التي تتضمن إعلان الدولة الفلسطينية المؤقتة بنهاية العام الماضي ، ويساهم أيضاً في انهيار الهدنة التي أعلنت من جانب واحد ، وربما ساهم كذلك في حالة الفوضى والإرتباك التي طغت على العمل السياسي الفلسطيني إلى أن أعلنت حكومة "أبو العلاء" بتشكيلها الحالي . وقد توج هذا السلوك الإستفزازي بإقرار الحومة الإسرائيلية ، تنفيذ المرحلة الثانية من الجدار العازل ، وبإعلان "شارون" عن خطته أحادية الجانب لفك الإرتباط مع الجانب الفلسطيني
(28/12/2003).

ولم يتوقف الأمر عند ذلك السكوت والصمت الدولي ، بل انه تخطى كل هذا إلى الحد، الذي وجدنا فيه أن الإدارة الأمريكية (الطرف الأساسي في اللجنة الرباعية) تتبنى إلى حد ما الموقف الإسرائيلي من خطة "خارطة الطريق " ، التي أصبحت غير ذات معنى بعد التحفظات الإسرائيلية الأربعة عشر عليها ، وبعد أن تجاوز الزمن تنفيذ المرحلة الأولى منها بنهاية العام الماضي ، فقد تبنت الإدارة الأمريكية إلى درجة التطابق تقريباً ، وجهة النظر الإسرائيلية التي تقول بأن على الجانب الفلسطيني ، أن بدأ بتنفيذ التزاماته تجاه تطبيق الخطة بتفكيك ما سمي ب" البنى التحتية للإرهاب" كما تجاوبت الإدارة الأمريكية مع الرؤية الإسرائيلية التي تقول بان على لا الجانب الفلسطيني أن يفسح الطريق ،"ظهور قيادة جديدة" يمكن أن تكون شريكاً مقبولا في عملية التسوية .

هذا الموقف الأمريكي ، كان واضحاً وجلياً حتى قبل أن تدخل الإدارة رسمياً مرحلة الحملة الإنتخابية ، ومع بدء هذه الحملة بدأ أنها أخذت تنفض يدها من أي تحرك تجاه إحياء عملية السلام . وفي هذا السياق خلا خطاب "بوش" عن حالة الإتحاد (20 /1) من أي إشارة إلى المشكلة الفلسطينية ، الأمر الذي أعاد للأذهان الموقف الذي كان عليه "بوش" بعد إنتخابه في الفترة الرئاسية الأولى ،وعندما انتقد سلطة "كلينتون" لمشاركته المباشرة في عملية السلام . وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية حتى نهاية هذا العام ، ربما العام القادم إذا جاءت الانتخابات الرئاسية بإدارة جديدة ، ولن تقدم على إتخاذ أية خطوة جادة ، خارج نطاق "إدارة الأزمة" تجاه الضغط على إسرائيل من اجل دفعها إلى تنفيذ إستحقاقات عملية التسوية. في هذه الفترة سيكون الجانب الإسرائيلي قد شارف على إكمال _ أو أكمل بالفعل _ بناء الجدار العازل ، وربما إتخذ خطوات فعلية تجاه تنفيذ خطة شارون لفك الإرتباط.هنا ، هل يمكن القول وداعاً لخيار الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود الرابع من حزيران ، بعد أن يكون الجدار العازل قد إلتهم ما يقارب نصف اراضي الضفة الغربية ، هذا ناهيك عن الإجراءات التي قد ترافق خطة فك
 الإرتباط؟
الإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب قد تحمل الكثير من المحاذير . فالاحتلال أو بالأحرى الوضع الحالي _ لن يدوم وإن طال الزمن، "وكانتونات العزل العنصري ، التي سيصنعها جدار العزل لن تكون مقبولة من ناحية أخلاقية ، والتهجير القسري للسكان بقصد تهويد المناطق الفلسطينية قد لا يصمد أمام حقائق الأمور ، والبديل لخيار الدولة المستقلة_ عدا ذلك_ قد يكمن في أحد أمرين : إما السير في إتجاه خيار الدولة ثنائية القومية ، وإما إحياء خيار الحل الأدنى عبر إحدى الصيغ التي كانت مطروحة من قبل . وبإمعان النظر في كل هذه الخيارات ، يبقى خيار الدولة المستقلة ، لأكثر تلبية لطموحات وأهداف وإمكانيات معظم _ إن لم يكن كل الأطراف في هذه الحقبة على الأقل . ولعل التجاوب بين هذه وتلك ، هو الذي سيجعل هذا الخيار ، في نهاية المطاف ،إنما أن يكون أكثر تلبية للطموحات والأهداف الفلسطينية ، أو اكثر إقترابا من خدمات الرؤية الإسرائيلية لمستقبل الصراع .

وفي هذا الخصوص يجب النظر إلى التطمينات الإسرائيلية ، للإدارة الأمريكية بأن المناطق التي سيقتطعها الجدار العازل ، من الأراضي الفلسطينية لن تضم إلى إسرائيل . فعلاوة على أن هذا يخدم التحرك الإسرائيلي على المستوى التكتيكي وتهيئة الأمور لإستكمال بناء الجدار ، فإنه لا يقل أهمية على المستوى الإستراتيجي . فالجدار العازل في حالة إستكماله ،وفق الخطط والأهداف الإسرائيلية ، سيشكل ورقة ضاغطة لإبتزاز الجانب الفلسطيني في حال إحياء عملية التسوية ، تؤثر على التوازن الإقليمي في المنطقة وعلى التوازن الدولي بخصوصها ، بفرض شروطه ورؤيته للدولة الفلسطينية المنشودة .

أمام هذا الواقع ، الذي قد لا يغيب عن بال الكثيرين / ما هو المطلوب معا، لحماية مكتسباتنا وإنجازتنا وتغطيتها ، وللتقليل من آثار التحديات المحترمة بناء من كل صوب وألت من شانها أن تؤثر على مستقبلنا السياسي ؟ من نافلة القول ، التذكير في هذا الخصوص بضرورة رص الصفوف والوحدة الوطنية وإصلاح البيت الداخلي والتحرك وفق خطوط عامة تفرضها رؤية مشتركة وواضحة للأمور بما فيها تسييس العمل العسكري ، فكل هذا وذاك شعارات مرفوعة منذ فترة ، ودار حولها لغط كبير ، وهي من قبيل المسلمات ، حتى أن الحديث عنها بات كمن "يدق الماء في الهون" ، وهي تشكل معظم المتطلبات اللازمة
لطوق الأمان .

ولكن ، خلافا لذلك ، علاوة عليه في آن واحد ، هنالك ضرورة ماسة لمناقشة ما يتردد إسرائليياً وأمريكياً ، من مطالبة الجانب الفلسطيني ، بإفساح الطريق لظهور ما يسمى بالقيادة الفلسطينية الجديدة ، التي من شانها أن تكون شريكاً مقبولاً ومؤهلاً للإشتراك في عملية التسوية . فأي قيادة جديدة هذه تلك التي يحتاج إليها شعبنا؟ كانت ما كانت أن تتنازل عن الحد الادنى للطموحات الفلسطينية والمعلنة رسمياً عبر الأطر والمؤسسات الشرعية ؟ يبدو من منطق الأمور ، أن الحديث الإسرائيلي عن كل هذه القيادة لا يعدو أن يكون تهرباً من تفنيد إستحقاقات عملية التسوية ولكسب مزيد من الوقت حتى ينتهي الجانب الإسرائيلي من عملية فرض الحقائق على الأرض وفي مقدمتها إستكمال بناء الجدار العازل . ويأتي في هذا السياق ، "بالونات الإختبار" التي أطلقها مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي والتي تدخل ضمن خطته أحادية الجانب ، والتي من أهمها إخلاء مستوطنات في قطاع غزة ونقلها إلى مستوطنات في الضفة الغربية يصار إلى ضمها إلى
إسرائيل.


 

الجدار العازل سلاحا

بقلم:نعوم تشومسكي
ترجمة: د. حمزة بن قبلان المزيني
أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود


[نشرت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في صفحة الرأي يوم الاثنين 23/2/2004م مقالا كتبه نعوم تشومسكي اللسانيُّ والناقد السياسي الأمريكي الشهير. ويحدث هذا لأول مرة في تاريخ هذه الجريدة. فقد تعرض تشومسكي لما يصل إلى حد الاستبعاد من الكتابة أو الحديث في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسة، وكانت صحيفة نيويورك تايمز إحدى الصحف التي فرضت عليه ما يشبه الحظر الكامل. ومن أبرز الدلائل على هذا الاستبعاد أن هذه الجريدة لم تسمح حتى بنشر رسالة كتبها تشومسكي إلى باب "رسائل القراء" فيها قبل ما يزيد عن خمس وثلاثين سنة. إلا أنه يبدو أنها بدأت بتغيير سياستها نحوه في الآونة الأخيرة؛ فقد نشر ملحق مراجعات الكتب فيها قبل أشهر مراجعة لواحد من كتبه الأخيرة عن حادث الحادي عشر من سبتمبر والسياسات الخارجية والداخلية التي انتهجتها الإدارة الأمريكية نتيجة لذلك. كما أجرى أحد محرريها مقابلة معه نشرتها قبل أشهر، وقد اتهم تشومسكي الصحيفة بتحريف كلامه فيها.
ومن المفاجئ حقا أن يرى اسم تشومسكي بين كتاب صفحة الرأي في هذه الصحيفة التي ظلت لسنين طويلة هدفا لنقده الحاد بسبب انحيازها لوجهة نظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخنوعها لتأثير اللوبي الصهيوني في ما يخص القضية الفلسطينية، كما يقول. وقد نشرت الصحيفة نفسها في اليوم التالي عددا من التعقيبات المؤيدة والمعارضة لمقال تشومسكي في باب "رسائل القراء". وأعادت مجلة z المعارِضة نشرَ المقال، وأنا أترجمه عنها رغبة في إطلاع قراء جريدة الوطن الكرام على الموقف المبدئي المشرِّف لتشومسكي من القضية الفلسطينية ولكونه حدثا تاريخيا يستحق التسجيل].


من ردود الفعل الحكومية الفورية المتوقعة دائما أن تتذرع الحكومات بالاهتمامات الأمنية حين تقوم بأي عمل مثير للخلاف، وغالبا ما يكون هذا العمل ذريعة لشيء آخر. لهذا يجب أن ندقق دائما [في البواعث الحقيقية وراء ما تقوم به الحكومات من تصرفات]. ومن الأمثلة الدالة على هذا الجدارُ الذي تسميه إسرائيل جدارا أمنيا، وهو موضوع المرافعات القانونية التي تبدأ اليوم [الاثنين 23/2/2004] في محكمة العدل الدولية في [المدينة الهولندية] ذا هيج.

وربما لا يعترض إلا قليل من الناس على حق إسرائيل في حماية مواطنيها من الهجمات الإرهابية التي يمثلها الهجوم الذي وقع بالأمس، بل ربما لا يعترض أحد حتى على بناء [إسرائيل] جدارا أمنيا إن وُجد أنه يمكن أن يكون وسيلة ملائمة [لحماية مواطنيها]. ومن الأمور الواضحة كذلك تحديد المكان الذي ينبغي أن يبنى عليه هذا الجدار إن كان الأمن هو الباعث [الحقيقي] لذلك، أي: أنه يجب أن يبنى هذا الجدار العازل داخل إسرائيل، أي داخل الحد المعترف به دوليا، أي الخط الأخضر الذي رُسم نتيجة لحرب 1947ـ1948م. ويمكن لإسرائيل أن تجعل الجدار في هذه الحالة منيعا إلى الحد الذي ترغب فيه: أي كأن يكون محميا بالجيش من جانبيه كليهما، وأن يكون محاطا بحقول الألغام، وأن يكون عصيا على الاختراق. وسوف يسهم هذا الجدار حينئذ في تحقيق الحد الأعلى من الأمن، ولن يكون مثيرا للاحتجاج العالمي عليه ولن يمثل انتهاكا للقانون الدولي.

وهذه الملاحظة واضحة ولا تخفى على أحد تقريبا. ومن الشواهد على ذلك أنه في الوقت الذي تؤيد فيه بريطانيا المعارَضةَ الأمريكية لعرض القضية على محكمة العدل الدولية يكتب وزير خارجية بريطانيا، جاك سترو، أن الجدار "غير قانوني". ويقول أحد المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية، بعد أن تفقد "الجدار الأمني"، إنه يجب أن يبنى على الخط الأخضر أو "حتى على الجانب الإسرائيلي من ذلك الخط". كما دعت لجنةُ تحقيق برلمانية بريطانية إلى بناء الجدار على الأراضي الإسرائيلية، وقد أدانت الجدار العازل بأنه "خطة إسرائيلية لتركيع المواطنين [الفلسطينيين]".

أما الغرض الحقيقي الذي بني هذا الجدار من أجله فهو الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين. كما أنه وسيلة لتحويل التجمعات الفلطسطينية إلى "زنزانات محصنة"، مما يجعل "البانتوستانات" التي أقيمت في جنوب إفريقيا سابقا، تبدو إلى جانبها كأنها رموز للحرية والاستقلال وتقرير المصير ـ كما يقول عالمُ الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيميلنج الذي وصف حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين بأنها حرب "تطهير سياسية".

والواقع أنه قبل أن تبدأ إسرائيل في بناء هذا الجدار كانت الأمم المتحدة قدَّرت أنه نتج عن الحواجز الإسرائيلية ومشاريع البنية التحتية والمستوطنات تمزيقُ المناطق الفلسطينية إلى خمسين جيبا معزولا في الضفة الغربية. وفي الوقت الذي بدأ فيه الجدار يَظهر للعيان قدَّر البنك الدولي أنه ربما يكون من نتائجه عزْل ما بين مائتين وخمسين إلى ثلاثمائة ألف فلسطيني، أي أكثر من عشرة بالمائة من سكان الضفة الغربية، وأنه ربما ينتج عنه الضم الفعلي لما يزيد عن عشرة بالمائة من أراضي الضفة الغربية. وبعد أنْ نشرت حكومة أريييل شارون أخيرا الخارطة التي تبين اقتراحها صار من الواضح أن الجدار سوف يمزق الضفة الغربية إلى ستة عشر قطعة معزولة، ولا تزيد مساحتها جميعا عن اثنين وأربعين بالمائة من مساحة الضفة الغربية التي كان شارون قد أعلن أنه سوف يتنازل عنها للدولة الفلسطينية.

وقد استحوذ الجدار الآن على أكثر الأراضي خصبا في الضفة الغربية. وأهم من ذلك أنه وسَّع من سيطرة إسرائيل على مصادر المياه التي تعد أمرا مهما للغاية، وهي المصادر التي تستطيع إسرائيل ومستوطنوها استغلالها بالشكل الذي يشاؤون، في الوقت الذي لا يجد فيه السكان [الفلسطينيون في هذه المناطق] ماء للشرب.

ويُسمح للفلسطينيين المحشورين بين الجدار والخط الأخضر أن يتقدموا بطلب السماح لهم بالعيش على أراضيهم هم؛ أما الإسرائيليون فيتمتعون بصورة آلية بالحق في استخدام هذه الأراضي. وقد كتبت الصحفية الإسرائيلية أميرة هاس في الصحيفة [الإسرائيلية] هاآرتس أن "التعلل بالأمن واللغة البيروقراطية التي تصاغ بها الأوامر العسكرية وتبدو محايدة يخفيان وراءهما النية في طرد [الفلسطينيين]" وهو المشروع الذي ينفَّذ "بالتدريج، وبطريقة غير ملحوظة، وبأعداد قليلة كي لا يستطيع المجتمع الدولي اكتشافها ولا تكون سببا في إثارة غضب الرأي العام". والأمر نفسه صحيح في ما يخص عمليات القتل المطردة والإرهاب والفظائع والإهانات اليومية طوال الخمس والثلاثين سنة الماضية من الاحتلال الشرس، ذلك في الوقت الذي تصادر فيه الأراضي ومصادر المياه لصالح المستوطنين الذين يتلقَّون معونات ضخمة.

ويحتمل كذلك، كما يبدو، أن تنقل إسرائيل إلى الضفة الغربية المحتلة السبعة آلاف وخمسمائة من المستوطنين الذين أعلنت هذا الشهر أنها سوف تنقلهم من قطاع غزة. ويتمتع هؤلاء الإسرائيليون الآن بكميات ضخمة من المياه العذبة، في الوقت الذي لا يكاد فيه مليون من الفلسطينين يحصلون على مقومات الحياة الأساسية، وحيث يكاد المتوفر لهم من المياه لا يصلح للاستخدام الآدمي. ويمكن وصف غزة بالقفص، ذلك أنه في الوقت الذي تتعرض فيه مدينة رفح التي تقع إلى جنوبها للتدمير المقنَّن، فإنه يمكن منع سكانها من الاتصال بمصر وأن يمنعوا من الوصول إلى البحر.

ومن المضلِّل تسمية هذه السياسات بأنها إسرائيلية. ذلك أنها سياسات أمريكية إسرائيلية [حقيقةً] ـ والذي مكَّن لها هو التأييدُ الأمريكي لإسرائيل عسكريا واقتصاديا وسياسيا. وقد ظل الوضع على هذه الشاكلة منذ 1971م حين رفضت إسرائيل ـ بتأييد أمريكي عرضَ السلام الكامل الذي تقدمت به مصر، مفضِّلة التوسعَ على الأمن. كما استخدمت الولايات المتحدة في 1976م حق النقض ضد قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى حل يقوم على دولتين تماشيا مع إجماع دولي كاسح. ويحظى اقتراح الحل الذي يقوم على دولتين بتأييد أغلب المواطنين الأمريكيين الآن، ويمكن أن ينفَّذ فورا إن اختارت واشنطن ذلك.

ومن المحتمل أن تنتهي المرافعات في المحكمة الدولية بحكم استشاري يقضي بأن الجدار غير قانوني. ولن يغير ذلك من الأمر شيئا. ذلك أن أية فرصة للحل السلمي ـ والحياة الكريمة في المنطقة ـ إنما تتوقف على الولايات المتحدة.
 

 

 

الجدار العازل حلقة جديدة من عذابات الشعب الفلسطيني


قبل مئات السنين كان المشهد ذاته يتكرر, حيث انطلق اليهود يقيمون الجدار حول 'أريحا' ويجمع المؤرخون 'الإسرائيليون' على أنه في الفترة التي أقامها اليهود كان الجدار من أهم ما يحرصون على إقامته حول مدنهم وتجمعاتهم السكنية.

ومن الثابت أنه قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم حرص اليهود المقيمون حول 'المدينة' على إقامة الجدران حول قراهم لتصبح قلاعًا حصينة, وفي مطلع الهجرات الصهيونية إلى فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين, كان الصهاينة يقيمون الجُدر حول مستعمراتهم حتى إن 'دافيد بن جوريون' أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني شارك في بناء الجدار حول المستعمرات اليهودية كنوع من الأعمال التطوعية في ذاك الوقت.

وبعد حرب الأيام الستة أقام الكيان الصهيوني خط بارليف الشهير, وحين تحدث القرآن الكريم في سورة الحشر عن اليهود قال: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيد} [الحشر: 14].

حلقة جديدة من العدوان:

فجدار الفصل العنصري الذي يقيمه الكيان الصهيوني يشكل حلقة جديدة من حلقات العدوان على الشعب الفلسطيني الصامد, إذ يفاقم من معاناته ويزيد من ظروف الحصار وقسوته, وينعكس بصورة سلبية على الحياة اليومية لمئات الآلاف من أبناء شعبنا, ويحولهم إلى أسرى في معازل وكانتونات يحتاج سكانها إلى تصاريح أمنية وإدارية صهيونية للخروج منها أو الدخول إليها, تمهيدًا لمصادرة الأراضي وتهجير سكانها هجرة داخلية أو خارجية, بعد تدمير ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية وتجريف مزروعاتهم وقطع الأشجار المثمرة والحيلولة دون وصول أهلها إليها تمهيدًا لمصادرتها نهائيًا.

وحين سكت الضمير العالمي على اعتقال الآلاف من أبناء شعبنا وأُودعوا سجون النازيين الجدد تمادى الكيان الصهيوني وسال لعابه إلى ما هو أكبر فحوَّل الضفة وقطاع غزة إلى سجن كبير يعيش فيه نحو 3 ملايين مواطن, وحين سكت الضمير العام العالمي عن المجازر التي أقامها الكيان الصهيوني لأبناء شعبنا, سال لعابه مرة أخرى إلى ما هو أكبر, فحوَّل كل محافظاته إلى سجن كبير وتحولت بلدات كاملة إلى قفص يضم جميع ساكنيها لا يرون العالم الخارجي إلا من خلال بوابة التفتيش.

وفكرة الجدار الفاصل خطة قديمة متجددة مرت بمراحل متعددة وطرحت بصيغ مختلفة, فمنذ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية غداة نكسة 1967م, طرح وزير المالية الصهيوني آنذاك 'بنحاس سافير' الفكرة, وذكرت مصادر صهيونية أن 'المجرم' شارون ـ ومنذ عام 1973م ـ وهو يخطط لتنفيذ الفصل بين مناطق الضفة وتحويلها إلى معازل, وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م, أخذت وتيرة المطالبة بإقامة الجدار الفاصل تزداد باطراد إلى أن قدَّم 'أفي ديختر' رئيس 'الشاباك' خطة للجدار الفاصل في فبراير 2002م, وقد أخذت طريقها للتنفيذ, وتولى تنفيذ المراحل الأولى للخطة وزير الحرب العمالي 'بن اليعازر' في ظل حكومة الائتلاف الصهيونية الأشد تطرفًا, وبدأ العمل فيه منذ 23 يوليو 2002م, بعد أن أقرته حكومة الاحتلال, إثر اجتياح الضفة في حملة ما يسمَّى 'السور الواقي'.

مراحل ومكونات الجدار:

يتضمن مخطط الجدار الفاصل ثلاث مراحل هي:

المرحلة الأولى: وتشمل مناطق جنين, وطولكرم, قلقيلية, والقدس, ويبلغ طول الجدار فيها 149كلم, منها 21 كلم حول القدس فيما يسمى 'غلاف القدس'.

المرحلة الثانية: وتشمل مناطق بيت لحم, والخليل, وباقي حدود الضفة الغربية مع فلسطين المحتلة عام 1948م.

المرحلة الثالثة: وتشمل خطًا طوليًا على الحدود بين الضفة والأردن, وتسمَّى مرحلة تمديد الجدار إلى غور الأردن, ويتكون الجدار من:

أعمدة وأسلاك معدنية شائكة, وجدار أسمنتي أو معدني إليكتروني تحذيري حساس, وكاميرات رؤية ومراقبة, وكلاب أثر, وقنوات وسواتر ترابية, وأبراج مراقبة بأنواع مختلفة, وقوات متحركة من الجيش وحرس الحدود تنطلق في حال وصول إنذار من إحدى الوسائل الإلكترونية.

خطة عزل القدس:

وتتضمن بناء حائط طوله 11كلم على طول خط الهدنة, الذي يعود إلى عام 1949م, والفاصل بين المناطق السكنية: العربية واليهودية في القدس, تكمله سلسلة خنادق ومجسات حرارية وأجهزة رؤية ليلية, ويشمل الجدار مناطق: أبو ديس, العيزرية, ومستوطنة 'غوش عيتصيون' في الجنوب, وقد بدأ العمل به في فبراير 2002م, ويوشك على إتمام مراحله المختلفة.

آثار الجدار على الشعب الفلسطيني:

منذ المرحلة الأولى لبناء السور في شمال غربي الضفة 'جنين, طولكرم, وقلقيلية' تبين أن 15 قرية ـ بما فيها نحو 14 ألفًا من السكان ـ وجدوا أنفسهم بين السور والخط الأخضر, وحسب التقديرات فإن 15 قرية أخرى في هذه المناطق ويسكنها 140 ألف مواطن فلسطيني, سيتم إحاطتها بسور الفصل من ثلاثة اتجاهات, هذه القرى الثلاثون متوقع لها شروط عزل قاسية جدًا.

أشار تقرير أولي رفعه مندوب البنك الدولي 'نيغل روبرتس' إلى مندوبي الدول المانحة واللجنة الرباعية, بأن نحو 70 قرية فلسطينية صغيرة وكبيرة ستتم الإحاطة بها وعزلها عند إتمام مراحل الجدار, ويصل تعداد سكان هذه القرى إلى 213 ألف نسمة, إضافة إلى أن 15 قرية فصلت أو ستفصل عن أراضيها التي بقيت غربي الجدار, ولا يجد أصحابها وسيلة للوصول إليها وفلاحتها, فالجدار يفصل 96500 دونم إلى الغرب منه, أي يفصلها عن الضفة الغربية التي يحاصرها شرقًا, كما تؤدي التواءات الجدار ودار الطوق الداخلي إلى محاصرة 65500 دونم 'الدونم ربع فدان' أخرى, ويضاف إلى ذلك 11400 دونم تضيع عبر عملية بناء الجدار نفسه وعبر شق الأخاديد ووضع العراقيل التي تمنع الوصول إليها.

والأراضي المصادرة أو المحاصرة هي الأكثر خصوبة والأوفر ماء, فمن أصل 175 مشروعًا زراعيًا في الضفة الغربية توجد في المناطق الشمالية 42% منها, كما تضم تلك المناطق نحو 80% من مشاريع المياه والكهرباء في الضفة الغربية, وقد وضع الاحتلال عمليًا يده على 31 بئر مياه تحت سيطرته في إطار بناء الجدار, حارمًا بذلك سكان هذه المناطق من 4 ملايين متر مكعب من مياههم سنويًا.

اقتلع الجدار حتى يونيو الماضي 8300 شجرة مثمرة, وخرب 3500 متر من أنابيب الري, وأتى على 11400 دونم زراعية, ويترتب على هذا الجدار تقييد حرية التجمعات السكانية المحصورة بين الجدار والخط الأخضر, أو تلك القرى والتجمعات المحاصرة في التواءات الجدار, فهؤلاء المواطنون لا يحملون هوية إسرائيلية لكي يتمكنوا من الحركة داخل الخط الأخضر, ولا يمكنهم الحركة باتجاه الضفة الغربية ذاتها, وإذا ما وصلوا إليها يصعب عليهم العودة إلى قراهم وبيوتهم غربي الجدار ويترتب على ذلك معاناة يومية قاسية قد تحول بين المعلم والتلميذ وبين المدرسة, وكذا الأمر بين الموظف وعمله, والمريض والمستشفى, وقد تحول بين تواصل العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأهل والأقارب.

الرؤية الصهيونية للجدار:

لعل الكثير من معالم الرؤية الصهيونية اتضحت من خلال استعراض المعلومات المتعلقة بالجدار وتأثيراتها على الشعب الفلسطيني, ولتحديد هذه الرؤية لابد من استعراض الأبعاد التالية:

أ ـ البعد الأمني: الذريعة الأمنية هي السبب المعلن لبناء الجدار, وبلا شك فإن ضربات المقاومة في العمق الصهيوني, وفشل كل الوسائل التي استخدمها العدو لوقف المقاومة, جعلته يبدل أولوياته ويتجه نحو بناء الجدار لتحقيق الهدف الأمني وأهداف أخرى, وهذا الهدف يسعى العدو لتحقيقه من خلال:

1ـ وضع حواجز مادية وإلكترونية وبشرية جديدة في مواجهة مجاهدي المقاومة, ولاسيما الاستشهاديون.

2ـ تعريض الشعب الفلسطيني لمزيد من الضغوط والعدوان بهدف إضعاف معنوياته ودفعه إلى الاستسلام لإرادة العدوة ووقف المقاومة.

يحاول العدو استنساخ تجربته مع السياج الفاصل المضروب على قطاع غزة, باعتبارها تجربة ناجحة, حالت دون انطلاق الاستشهاديين من القطاع إلى فلسطين المحتلة العام 1948م, يستكمل حاليًا في رفح على الحدود بين قطاع غزة ومصر.

ب ـ مصادرة الأراضي: تقوم عقيدة الليكود السياسية بقيادة 'شارون' على الاستمرار في احتلال وابتلاع الأراضي الفلسطينية, فالأرض لديه هي جوهر الصراع, ومن ثم فإن مصادرة أكبر قدر من الأرض وضمها فعليًا إلى الكيان الصهيوني, تمهيدًا لفرض أمر واقع مستقبلاً, يعد الهدف الرئيس لمسار الجدار بصورته الحالية, حيث صودرت أو ستصادر عشرات آلاف الدونمات, وحوصرت عشرات الآلاف الأخرى, كمرحلة أولى نحو المصادرة والضم بعد تفريغها من سكانها عبر إجراءات القهر والعنف التي تمارس على أهلها, كأحد أساليب 'الترانسفير'.

ت ـ البعد الاستطياني: مسار الجدار الفاصل لم تفرضه ضرورات أمنية, بقدر ما تشجع عليه الاعتبارات الاستيطانية, لذا حرصت حكومة الاحتلال على ضم أكبر قدر ممكن من المستوطنات في إطار الجدار, لهذا صار مساره متعرجًا بطريقة تحوي العدد الكبر من المستوطنات, وبما يتيح المجال لمزيد من الاستيطان في المناطق المحصورة بين ثناياه, ولعل المشروع الاستيطاني الأكبر الذي يتضمنه مخطط الجدار يتمثل في المرحلة الثالثة في غور الأردن.

ث ـ البعد السياسي: كانت خشية اليمين الصهيوني دائمًا أن يشكل الجدار الفاصل حدودًا سياسية تؤدي إلى حدود الكيان إلى حدود الرابع من يونيو 1967م, وكذلك خشية المستوطنين من تفكيك المستوطنات أو إبقائها خارج السور, ومن ثم تبقى دون ضم إلى الكيان الصهيوني, ولكن المخطط الجاري حاليًا يتجاوز هذه المخاوف, ويعمل على تنفيذ خطة شارون للمعازل 'البنتوستانات' التي طرحها في لقائه مع رئيس وزراء إيطاليا عام 1997م, والتي تمثل رؤيته للحل السياسي القائم على دولة فلسطينية على 42% من مساحة الضفة الغربية, ومن ثم فإن مخطط الجدار يفرض واقعًا سياسيًا حسب رؤية شارون للحل النهائي, ويضمن احتفاظ الكيان بالسيادة على غور الأردن حسب خطة 'أيلون' التي عرضت قبل ثلاثين سنة تقريبًا.

جـ ـ البعد الأيديولوجي: وقد عبر عنه باراك في شعاره الانتخابي 'نحن هنا وهم هناك' وكأن ما يجري لا يعدو كونه عملية خداع للذات الصهيونية, فعملية نفس الشعب الفلسطيني من مدى الرؤية ـ عبر الجدار ـ سيؤدي إلى نفيه عمليًا, وانتهاء الصراع بين الطرفين.

إن عقلية 'الجيتو' الصهيونية التي جسدها شعار 'سور وبرج' في مراحل الاستيطان الأولى لا تزال تتحكم بعقلية السياسي الصهيوني, ففي الوقت الذي انهار فيه 'سور برلين' وفي الوقت الذي يتجه العالم فيه نحو الانفتاح والتواصل الحر المفتوح, يسعى الصهاينة إلى الانغلاق وخنق الآخرين, ويلاحظ في هذا الإطار أن الكيان الصهيوني قد حاصر نفسه فعليًا عن محيطه دخل فلسطين وخارجها بدلاً من حالة التمدد الجغرافي الذي حلم به الصهاينة 'من الفرات إلى النيل' وهذا يشكل تراجعًا على الصعيد الأيديولوجي الصهيوني, سواء على صعيد ما سمي بأرض الميعاد أم على صعيد فكرة 'إسرائيل الكبرى', إذ إن الأرض التي نجحوا في اغتصابها تتقلص وتعج بالجدر الأسمنتية التي يحاصرون فيها أنفسهم كما الشعب الفلسطيني.

كما يعبر الجدار بجلاء عن النزعة الاستعلائية العنصرية السادية التي تتلذذ بمعاناة الشعب الفلسطيني, على أيدي غرباء زرعوا على أرضه قسرًا, في سياق نظام أشد وأقسى وأخطر من نظام 'الأبارتهيد' العنصري في جنوب أفريقيا سابقًا.

وقد أخبرنا الله عز وجل عن جبن اليهود وحرصهم على الحياة, وعن عقلية الجدار والأسوار المتأصلة في أعماقهم بقوله: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].

جـ ـ البعد الديمغرافي 'السكاني': اعتمدت رؤية اليسار خاصة حزب العمل على المعطيات الديمغرافية, والسعي إلى تكريس وجود استمرار الدولة اليهودية بطبيعتها اليهودية العنصرية تلك, لتوفير مظلة ودعم صهيوني داخلي لمشروع الجدار, ويجدر التذكير هنا أن كلاً من سافير وباراك وحاييم رامون وشاحال وبن اليعازر هم من قادة حزب العمل, الذين كانوا خلف فكرة بناء الجدار الفاصل, وبالتالي فإن حزب العمل يعتبر أن الليكود عاد لتنفيذ رؤيتهم للفصل وأنه عمليًا يقوم بتنفيذها.

ولعل من أشد أخطار الجدار الفاصل, ما سيحدثه من عمليات طرد وهجرة قسرية داخلية في نطاق الضفة الغربية, تمهيدًا ربما 'للترانسفير' في سياق 'الوطن البديل' وتوفير فرصة لمزيد من مصادرة الأراضي والاستيطان وتزايد عدد المستوطنين في الضفة الغربية, وربما كان هذا هو الغرض الحقيقي من بناء الجدار, فلو كان الهدف منه أمنيًا لاكتفوا ببنائه على طول الخط الأخضر.

ختامًا: أسلوب التعاطي مع الجدار الفاصل:

يتضح مما تقدم أن الجدار يمثل فصلاً عدوانيًا وحشيًا جديدًا, ضد الأرض والإنسان الفلسطيني, وهو مخطط قديم متجدد لنهب الأرض, ودفع أهلها للهجرة عنها ومصادرتها, وهو مخطط يحظى بالإجماع الصهيوني بين اليسار واليمين, وما التذرع بالمقاومة والحفاظ على الأمن الصهيوني سوى واجة لمخطط الكانتونات الذي يقوده شارون.

ومما لا شك فيه فإن العدو الصهيوني يجد دائمًا الذرائع الملائمة لتنفيذ مآربه, سواء كان ذلك في ظل الانتفاضة والمقاومة أو في ظل التهدئة والتسوية, خاصة في ظل واقع الاستيطان الذي تضاعف أثناء فترة أوسلو, ورغبة الاحتلال في إبقاء تلك المستوطنات قائمة وتحت السيادة الصهيونية.

وقد أكد الكاتب الصهيوني ب. ميخائيل في صحيفة 'يديعوت أحرنوت' بتاريخ 31/10/2003م, أن الأمن ليس سوى ذريعة واهية لبناء الجدار, وأن حكومة شارون تخفي وراءها دوافع أخرى حقيقية, على رأسها مصادرة الأراضي وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني لإخضاعه, ولن يحقق الجدار سوى المعاناة للشعب الفلسطيني, ولكنه لن يؤدي مطلقًا إلى وقف العمليات الاستشهادية وتحقيق الأمن للصهاينة, بل سيشكل دافعًا جديدًا للشعب الفلسطيني لاستمرار المقاومة.

يؤكد الواقع الذي يفرضه جدار الفصل الصهيوني العنصري أن حل الصراع لا يتم عبر صفقات جزئية هنا وهناك, فالعدو قادر في كل مرحلة أن يفرض وقائع يضطر الطرف الفلسطيني المفاوض للتعامل معها, لتصبح ورقة مساومة جديدة في يد المفاوض الصهيوني, وذلك لاستلاب المزيد من الأرض والحقوق الفلسطينية, وهذا لا يلغي ضرورة تصعيد الحملة ضد بناء الجدار العنصري شعبيًا وإعلاميًا وعالميًا, وبكل الوسائل المناسبة على ألا يغيب عن الأنظار والتخطيط بأن التحرير الشامل من خلال تبني رؤية استراتيجية تقوم على اقتلاع جذور الكيان الصهيوني هو الطريق الحقيقي لحل كل المشكلات القائمة, وذلك بتضافر الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية, ومن أجل أن يتحقق هذا الخيار الاستراتيجي لابد من تبني استراتيجية الصمود والمقاومة, والصمود والتصدي لمخططات العدو, والثبات في الأرض مهما اشتدت الضغوط وظروف الحصار, مع الثقة بالنفس والتحرك بقوة لإيجاد وسائل الجهاد والمقاومة المناسبة لتخطي العوائق التي يفرضها الجدار الفاصل, بل تحويل هذا الجدار إلى مصيدة وأهداف جديدة للمقاومة, وهذا تحد أمام المجاهدين والخبراء لابد من الانتصار فيه, مستعينين بالله سبحانه وتعالى ثم بخبرات وقدرات مناسبة.

فالعدو وهم إذا تصور بأن فرض الأمر الواقع يمكن أن يحل الصراع الوجودي بين شعبنا وأمتنا من جهة, والعدو الصهيوني من الجهة الأخرى, وكان يجدر بالعدو أن يأخذ العبرة من سقوط خط بارليف, وهدم جدار برلين, وفقدان خط ماجلان في فرنسا لدوره وفاعليته, رغم عظمة تحصيناته, ليصل إلى نتيجة حتمية مفادها أن الجدران والحواجز والاستحكامات لن توفر للكيان الصهيوني الأمن أمام إرادة شعبنا في التحرر والخلاص من الإرهاب والاحتلال.





 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لدى الشعب الفلسطيني المشرد

Free Web Hosting