الصفحة الرئيسية
 
الصفحة الرئيسية  |  ملف االشهداء  |  ملف الأسرى  |  ملف الجدار العازل

:: شعر ::

محمود درويش



الى القارئ

الزنبقات السود في قلبي
وفي شفتي .. اللهب
من أي غاب جئتني
يا كل صلبان الغضب ؟

بايعت أحزاني ... وصافحت التشرد والسغب
غضب يدي ..
غضب فمي..
ودماء أوردتي عصير من غضب !
يا قارئي
لا ترج مني الهمس !
لا ترج الطرب

هذا عذابي ....
ضربه في الرمل طائشه
وأخرى في السحب !


حسبي بأني غاضب
والنلر أولها غضب !

أحنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي
ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ
وأعشقُ عمري لأنّي
إذا متُّ
أخجلُ من دمعِ أمّي
 
خذيني، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدبكْ
وغطّي عظامي بعشبِ
تعمّد من طُهرِ كعبكْ
وشدّي وثاقي..
بخصلةِ شَعر..
بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
عساني أصيرُ إلهاً
إلهاً أصير..
إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!
 
ضعيني، إذا ما رجعتُ
وقوداً بتنّورِ ناركْ
وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
لأني فقدتُ الوقوفَ
بدونِ صلاةِ نهارِكْ
هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
حتّى أُشارِكْ
صغارَ العصافيرِ
دربَ الرجوع..
لعشِّ انتظاركْ..

اصدقائي شهدائي
فكروا في قليلا واحبوني قليلا
لا تموتوا مثلما كنتم تموتون،رجاء،لاتموتوا
انتظروني سنه اخرى
سنه
سنه اخرى فقط
لا تموتوالآن،لا تنصرفوا عني
احبوني لكي نشرب هذي الكأس
كي نعلم ان الموجه البيضاء ليست امرة
او جزيرة،
ما الذي افعله من بعدكم ؟؟؟
ما الذي افعله بعد الجنازات الاخيره؟
ولماذا أعشق الارض التي تسرقكم مني
وتخفيكم عن البحر؟
لماذا اعشق البحر الذي غطى المصلين
وأعلى المئذنه؟؟
ولمن امضي مساء السبت
من يفتح قلبي للقطط
ولمن امدح هذا القمر الحامض فوق المتوسط
ولمن احمل اشياء النساء العابرات الفاتنات
ولمن اترك هذا الضجر اليومي
ما معنى حياتي
عندما يسندني ظلي على حائط ظلي حينما تنصرفون
من سيأتي بي الى نفسي
ويرضيها بأن تبقى معي؟؟
لا تموتوا،لا تموتوا مثلماكنتم تموتون رجاء
لا تجروني من التفاحه_الانثى
الى سفر المراثي
وطقوس العبارات المدمنه!!!!!

 أشلاؤنا أسماؤنا
لا مفر
أشلاؤنا أسماؤنا.لا..... لا مفر
سقط القناع عن القناع عن القناع ،
سقط القناع لاإخوة لك يا أخي ،لا أصدقاء
يا صديقي،لا قلاع
لا الماء غندك ،لا الدواء ولا السماء ولا الدماء ولا الشراع ولا الإمام ولا الوراء
حاصر حصارك .. لا مفر
سقطت ذراعك فالتقطها
وأضرب عدوك... لا مفر.
و سقطت قربك ،فالتقطني
وأضرب عدوك بي.. فأنت الأن حر
حر
و حر ...................
قتلاك أو جرحاك فيك ذخيره
فاضرب بها أ ضرب عدوك ..... لا مفر
أشلاؤنا أسماؤنا
حاصر حصارك بالجنون
وبالجنون
و بالجنون
ذهب الذين تحبهم ، ذهبوا
فإما أن تكون
أو لا تكون
سقط القناع عن القناع عن القناع
سقط القناع
ولا أحد
إلاك في هذا المدى المفتوح للأعداء والنسيان،
فاجعل كل متراس بلد
لا.... لا أحد
سقط القناع
عرب أطاعوا رومهم
عرب و باعوا روحهم
عرب........... وضاعوا
سقط القناع
والله غمس بأسمك البحري اسبوع الولاده وإستراح للابد
كن أنت...... كن حتى تكون!!!
لا ......لا أحد
يا خالقي في هذه الساعات من عدم تجل!!!! لعل لي حلما لأعبده
لعل!!!
علمتنى الأسماء
لولا
هذه الدول اللقيطه لم تكن بيروت ثكلى
بيروت ------- كلا

القتيل رقم48

وجدوا في صدره قنديل ورد ... وقمر
وهو ملقى ، ميتا ، فوق حجر
وجدوا في جيبه بعض قروش
وجدوا علبة كبريت ، وتصريح سفر
وعلى ساعده الغض نقوش

قبلته أمه
وبكت عاما عليه
بعد عام نبت العوسج في عينيه
وأشتد الظلام

عندما شب أخوه
ومضى يبحث عن شغل بأسواق المدينه
حبسوه ...
لم يكن يحمل تصريح سفر
إنه يحمل في الشارع صندوق عفونه
وصناديق أخر
آه : أطفال بلادي
هكذا مات القمر !

 
بـطـاقـة هـويـة
 سجِّل!
أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
فهلْ تغضبْ؟
 
سجِّلْ!
أنا عربي
وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
وأطفالي ثمانيةٌ
أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
والأثوابَ والدفترْ
من الصخرِ
ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
ولا أصغرْ
أمامَ بلاطِ أعتابكْ
فهل تغضب؟
 
سجل!
أنا عربي
أنا إسمٌ بلا لقبِ
صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفورةِ الغضبِ
جذوري...
قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتونِ
.. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي.. من أسرةِ المحراثِ
لا من سادةٍ نجبِ
وجدّي كانَ فلاحاً
بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
وبيتي كوخُ ناطورٍ
منَ الأعوادِ والقصبِ
فهل ترضيكَ منزلتي؟
أنا إسمٌ بلا لقبِ!
 
سجل!
أنا عربي
ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ
ولونُ العينِ.. بنيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ
تخمشُ من يلامسَها
وعنواني:
أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
شوارعُها بلا أسماء
وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
فهل تغضبْ؟
 
سجِّل
أنا عربي
سلبتَ كرومَ أجدادي
وأرضاً كنتُ أفلحُها
أنا وجميعُ أولادي
ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي
سوى هذي الصخورِ..
فهل ستأخذُها
حكومتكمْ.. كما قيلا؟!!
إذن!
سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي.. إذا ما جعتُ
آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ.. حذارِ.. من جوعي
ومن غضبي!!

جـواز سـفـر
 
لم يعرفوني في الظلالِ التي
تمتصُّ لوني في جوازِ السفرْ
وكانَ جرحي عندهم معرّضاً
لسائحٍ يعشقُ جمعَ الصور
لم يعرفوني، آه.. لا تتركي
كفّي بلا شمسٍ،
لأنَّ الشجرْ
يعرفني
تعرفُني كلُّ أغاني المطرْ
لا تتركيني شاحباً كالقمرْ !


2
كلُّ العصافير التي لاحقتْ
كفّي على بابِ المطارِ البعيدِ
كلُّ حقولُ القمحِ،
كلُّ السجونِ..
كلُّ القبورِ البيضِ
كلُّ الحدودِ..
كلُّ المناديلِ التي لوَّحتْ
كلُّ العيون
كانتْ معي، لكنّهم
قدْ أسقطوها من جوازِ السفر!
 3
عارٍ من الإسم، من الانتماءْ؟
في تربة ربيّتها باليدينْ؟
أيّوب صاحَ اليومَ ملءَ السماء:
لا تجعلوني عبرةً مرّتين!
 
يا سادتي! يا سادتي الأنبياء
لا تسألوا الأشجارَ عن اسمها
لا تسألوا الوديانَ عن أمها
من جبهتي ينشقُّ سيفُ الضياء
ومن يدي ينبعُ ماءُ النهرْ
كلُّ قلوبِ الناس.. جنسيّتي
فلتسقطوا عنّي جوازَ السفرْ !

 
حــــالة حصـــار
 
هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ.
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً،
لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة.
أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
في حلكة الأَقبية.
هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً...
سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ.
أَلسماءُ رصاصيّةٌ في الضُحى
بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ
فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ.
هنا، لا أَنا
هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ...
يقولُ على حافَّة الموت:
لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي.
سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي،
وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،
وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...
في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
بين تذكُّرِ أَوَّلها.
ونسيانِ آخرِها.
هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت،
لا وَقْتَ للوقت.
نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله:
ننسي الأَلمْ.
الألمْ
هُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.
لا صدىً هوميريٌّ لشيءٍ هنا.
فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.
لا صدىً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ
يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ
يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ
بمنظار دبّابةٍ...
نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.
أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
غقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.
أَيها الواقفون على عتبات البيوت!
اُخرجوا من صباحاتنا،
نطمئنَّ إلى أَننا
بَشَرٌ مثلكُمْ!
نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا
لمواليد بُرْجِ الحصار.
كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:
ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
وتعالَ غداً !
أُفكِّر، من دون جدوى:
بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَ
على قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ،
وفي هذه اللحظة العابرةْ؟
فتوجعنُي الخاطرةْ
وتنتعشُ الذاكرةْ
عندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ،
بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماء
بأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَ
الجوِّ واللَهْو. أَعلى وأَعلى تطيرُ
الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَ
حقيقيّةٌ قال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتين
الوميضُ، البصيرةُ، والبرقُ
قَيْدَ التَشَابُهِ...
عمَّا قليلٍ سأعرفُ إن كان هذا
هو الوحيُ...
أو يعرف الأصدقاءُ الحميمون أنَّ القصيدةَ
مَرَّتْ، وأَوْدَتْ بشاعرها
إلي ناقدٍ: لا تُفسِّر كلامي
بملعَقةِ الشايِ أَو بفخِاخ الطيور!
يحاصرني في المنام كلامي
كلامي الذي لم أَقُلْهُ،
ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا منامي
شَجَرُ السرو، خلف الجنود، مآذنُ تحمي
السماءَ من الانحدار. وخلف سياج الحديد
جنودٌ يبولون ـ تحت حراسة دبَّابة ـ
والنهارُ الخريفيُّ يُكْملُ نُزْهَتَهُ الذهبيَّةَ في
شارعٍ واسعٍ كالكنيسة بعد صلاة الأَحد...
نحبُّ الحياةَ غداً
عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة
كما هي، عاديّةً ماكرةْ
رماديّة أَو مُلوَّنةً.. لا قيامةَ فيها ولا آخِرَةْ
وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ
فليكن
خفيفاً على القلب والخاصرةْ
فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُ
من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!
قال لي كاتبٌ ساخرٌ:
لو عرفتُ النهاية، منذ البدايةَ،
لم يَبْقَ لي عَمَلٌ في اللٌّغَةْ
إلي قاتلٍ: لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْ
وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ
الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ
وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ
إلى قاتلٍ آخر: لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً،
إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ:
قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار،
فيكبر طفلاً معافي،
ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدى بناتكَ
تارِيخَ آسيا القديمَ.
وقد يقعان معاً في شِباك الغرام.
وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ).
ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟
صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً،
والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟
فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ
وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟
لم تكن هذه القافيةْ
ضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْ
ولا لاقتصاد الأَلمْ
إنها زائدةْ
كذبابٍ على المائدةْ
الضبابُ ظلامٌ، ظلامٌ كثيفُ البياض
تقشِّرُهُ البرتقالةُ والمرأةُ الواعدة.
الحصارُ هُوَ الانتظار
هُوَ الانتظارُ على سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْ
وَحيدونَ، نحن وحيدون حتى الثُمالةِ
لولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْ
لنا اخوةٌ خلف هذا المدى.
اخوةٌ طيّبون. يُحبُّوننا. ينظرون إلينا ويبكون.
ثم يقولون في سرِّهم:
ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ:
لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا.
خسائرُنا: من شهيدين حتى ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ.
وعَشْرَةُ جرحى.
وعشرون بيتاً.
وخمسون زيتونةً...
بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذي
سيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْ
في الطريق المُضَاء بقنديل منفي
أَرى خيمةً في مهبِّ الجهاتْ:
الجنوبُ عَصِيٌّ على الريح،
والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ،
والغربُ هُدْنَةُ قتلي يَسُكُّون نَقْدَ السلام،
وأَمَّا الشمال، الشمال البعيد
فليس بجغرافيا أَو جِهَةْ
إنه مَجْمَعُ الآلهةْ
قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي
فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ
إذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبي
فكُنْ شجراً
مُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَرا
وإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبي
فكُنْ حجراً
مُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَرا
وإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبي
فكن قمراً
في منام الحبيبة، كُنْ قَمرا
هكذا قالت امرأةٌ
لابنها في جنازته
أيَّها الساهرون ! أَلم تتعبوا
من مُرَاقبةِ الضوءِ في ملحنا
ومن وَهَج الوَرْدِ في جُرْحنا
أَلم تتعبوا أَيُّها الساهرون ؟
واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا.
ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون.
ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ على كُلِّ شيء:
علي صُورة العَلَم الوطنيّ (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ يا شعبيَ الحيَّ رَمْزَ الحمار البسيط).
ومختلفون علي كلمات النشيد الجديد
(ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ أُغنيَّةً عن زواج الحمام).
ومختلفون علي واجبات النساء
(ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخْتَرْتَ سيّدةً لرئاسة أَجهزة الأمنِ).
مختلفون على النسبة المئوية، والعامّ والخاص،
مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد: أَن نكون ...
ومن بعده يجدُ الفَرْدُ مُتّسعاً لاختيار الهدفْ.
قال لي في الطريق إلى سجنه:
عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ
كهجاء الوطنْ
مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ !
قَليلٌ من المُطْلَق الأزرقِ اللا نهائيِّ
يكفي
لتخفيف وَطْأَة هذا الزمانْ
وتنظيف حَمأةِ هذا المكان
على الروح أَن تترجَّلْ
وتمشي على قَدَمَيْها الحريريّتينِ
إلى جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحِبَيْن
قديمين يقتسمانِ الرغيفَ القديم
وكأسَ النبيذِ القديم
لنقطع هذا الطريق معاً
ثم تذهب أَيَّامُنا في اتجاهَيْنِ مُخْتَلِفَينْ:
أَنا ما وراءَ الطبيعةِ. أَمَّا هِيَ
فتختار أَن تجلس القرفصاء على صخرة عاليةْ
إلى شاعرٍ: كُلَّما غابَ عنك الغيابْ
تورَّطتَ في عُزْلَة الآلهةْ
فكن ذاتَ موضوعك التائهةْ
و موضوع ذاتكَ. كُنْ حاضراً في الغيابْ
يَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ:
هاتفي لا يرنُّ
ولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّ
فكيف تيقَّنتِ من أَنني
لم أكن ههنا !
يَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ:
في انتظارِكِ، لا أستطيعُ انتظارَكِ.
لا أَستطيعُ قراءةَ دوستويفسكي
ولا الاستماعَ إلى أُمِّ كلثوم أَو ماريّا كالاس وغيرهما.
في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار...
إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ.
في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ.
يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ
فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ
يقول: إلى أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ ؟
تقول: إلى بُؤرة الضوءِ في داخلي
وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْ
سيمتدُّ هذا الحصار إلى أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر،
أَن الضَجَرْ
صِفَةٌ من صفات البشرْ.
لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ
قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء
بما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ.
قلبي بريء مضيء مليء،
ولا وقت في القلب للامتحان. بلى،
لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّى أُحبَّك؟
هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي،
وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟
لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ
هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ.
عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ...
ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ !
جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍ
تؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل،
أَو في المداخن، أو في الخيام التي
نُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ...
على طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ،
والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتي
ويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْ
بأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْ
الأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتها
رُبَّما مَسَّها خَلَلٌ طارئٌ
ربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍ
غيرِ مأهولةٍ،
فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ،
ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها.
كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمها
عدَّلَتْهُ بجرَّافة.
فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ،
بيضاءُ من غير سوء ...
إلي شبه مستشرق: ليكُنْ ما تَظُنُّ.
لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ.
ولا أَلعبُ الجولف.
لا أَفهمُ التكنولوجيا،
ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ!
أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟
لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري،
لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء.
أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّة
قلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟
في الحصار، يصير الزمانُ مكاناً
تحجَّرَ في أَبَدِهْ
في الحصار، يصير المكانُ زماناً
تخلَّف عن أَمسه وَغدِهْ
هذه الأرضُ واطئةٌ، عاليةْ
أَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْ
لا نُبالي كثيراً بسحر الصفات
فقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ،
جغْرافيةْ !
أَلشهيدُ يُحاصرُني كُلَّما عِشْتُ يوماً جديداً
ويسألني: أَين كُنْت ؟ أَعِدْ للقواميس كُلَّ الكلام الذي كُنْتَ أَهْدَيْتَنِيه،
وخفِّفْ عن النائمين طنين الصدى
الشهيدُ يُعَلِّمني: لا جماليَّ خارجَ حريتي.
الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدى
عن عذارى الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ
علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين،
لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ
عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ.
الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازة
إلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةً
من أَحَدْ.
الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ.
وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً:
كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي.
أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً !
الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوى موقعي وأَثاثي الفقيرِ.
وَضَعْتُ غزالاً على مخدعي،
وهلالاً على إصبعي،
كي أُخفِّف من وَجَعي !
سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.
أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة
القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ:
داءِ الأملْ.
وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي
وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.
سلامٌ على مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلي
نشوة الضوءِ، ضوءِ الفراشةِ، في
ليل هذا النَفَقْ.
سلامٌ على مَنْ يُقَاسمُني قَدَحي
في كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين:
سلامٌ على شَبَحي.
إلي قارئ: لا تَثِقْ بالقصيدةِ ـ
بنتِ الغياب. فلا هي حَدْسٌ، ولا
هي فِكْرٌ، ولكنَّها حاسَّةُ الهاويةْ.
إذا مرض الحبُّ عالجتُهُ
بالرياضة والسُخْريةْ
وَبفصْلِ المُغنِّي عن الأغنيةْ
أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً
للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ
وشاهدةً من رخام الزمن
فأسبقهم دائماً في الجنازة:
مَنْ مات.. مَنْ ؟
الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الى . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ!
الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ
وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد
وجارةُ عمِّ الشهيد الخ ... الخ ..
ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن،
فالزَمَنُ البربريُّ انتهى.
والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ،
والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ الخ ... الخ ف
هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون
في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات
التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة
البُنّ في دمهم، طازجة.
هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟
قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا،
فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس.
عندئذٍ نتباري على حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ.
فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس
يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟
فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟
الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ
الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ..
فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ
الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط
نحو آخرَ مثل الغزالة.
والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا
من سماء. وأشياءُ أخرى مؤجَّلَةُ الذكريات
تدلُّ على أن هذا الصباح قويّ بهيّ،
وأَنَّا ضيوف على الأبديّةْ.
 


 
 
محمود درويش
رسـالة مـن المـنفـى
 
تحيةً.. وقبلةً
وليسَ عندي ما أقولُ بعدْ
من أينَ أبتدي؟ وأينَ أنتهي؟..
ودورةُ الزمانِ دونَ حدّ
وكلُّ ما في غربتي
زوّادةٌ، فيها رغيفٌ يابسٌ، ووَجدْ
ودفترٌ يحملُ عنّي بعضَ ما حملتْ
بصقتُ في صفحاتهِ ما ضاقَ بي من حقدْ
من أينَ أبتدي؟
وكلُّ ما قيلَ وما يقالْ بعدَ غدْ
لا ينتهي بضمّةٍ.. أو لمسةٍ من يدْ
لا يُرجعُ الغريبَ للديار
لا يُنزلُ الأمطار
لا يُنبتُ الريشَ على
جناحِ طيرٍ ضائعٍ.. منهدّ
من أينَ أبتدي؟
تحيةً.. وقبلةً.. وبعدْ..
 
-2-
أقولُ للمذياع.. قلْ لها أنا بخيرْ
أقولُ للعصفورِ
إن صادفتَها يا طيرْ
لا تنسني، وقلْ بخيرْ
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
ما زال في عينيَّ بصرْ!
ما زالَ في السّما قمرْ!
وثوبي العتيق، حتى الآنَ، ما اندثرْ
تمزقت أطرافهُ
لكنني رتقتهُ.. ولم يزلْ بخيرْ
وصرتُ شاباً جاوزَ العشرين
تصوريني.. صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشبابِ يا أمّاه
أواجهُ الحياه
وأحملُ العبءَ كما الرجالُ يحملونْ
وأشتغل
في مطعمٍ.. وأغسلُ الصحون.
وأصنعُ القهوةَ للزبونْ
وألصقُ البسماتِ فوق وجهيَ الحزينْ
ليفرحَ الزبونْ
 
-3-
أنا بخيرْ
قد صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشباب يا أمّاه
أدخّنُ التبغَ، وأتّكي على الجدارْ
أقولُ للحلوةِ: آه
كما يقولُ الآخرونْ
« يا إخوتي، ما أطيبَ البنات،
تصوروا كم مُرَّةٌ هيَ الحياة
بدونهنَّ.. مُرّة هي الحياة »
وقالَ صاحبي: « هل عندكم رغيف؟
يا إخوتي؛ ما قيمةُ الإنسانْ
إن نامَ كلَّ ليلةٍ.. جوعانْ؟ »
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
عندي رغيفٌ أسمر
وسلّةٌ صغيرةٌ من الخضار
 
-4-
سمعتُ في المذياعْ
تحيةَ المشرّدينَ.. للمشرّدينْ
قالَ الجميعُ: كلّنا بخيرْ
لا أحدٌ حزينْ ؛
فكيفَ حالُ والدي؟
ألمْ يزَلْ كعهدهِ، يحبُّ ذكرَ الله
والأبناءَ.. والترابَ.. والزيتون؟
وكيفَ حالُ إخوتي
هل أصبحوا موظفين؟
سمعتُ يوماً والدي يقولْ:
سيصبحونَ كلهم معلمين…
سمعتهُ يقول:
(أجوعُ حتى أشتري لهم كتاب)
لا أحد في قريتي يفكُّ حرفاً في خطاب
وكيفَ حالُ أختنا
هل كبرتْ.. وجاءها خُطّاب؟
وكيفَ حالُ جدّتي
ألم تزلْ كعهدها تقعدُ عندَ البابْ؟
تدعو لنا…
بالخيرِ.. والشبابِ.. والثوابْ!
وكيفَ حالُ بيتنا
والعتبةِ الملساء.. والوجاقِ.. والأبوابْ؟
سمعتُ في المذياعْ
رسائل المشرّدينَ.. للمشردينْ
جميعهم بخيرْ!
لكنني حزينْ..
تكادُ أن تأكلَني الظنونْ
لم يحملِ المذياعُ عنكم خبراً..
ولو حزينْ
ولو حزينْ
 
-5-
الليلُ – يا أمّاهُ – ذئبٌ جائعٌ سفّاحْ
يطاردُ الغريبَ أينما مضى..
ويفتحُ الآفاقَ للأشباحْ
وغابةُ الصفصافِ لم تزلْ تعانقُ الرياحْ
ماذا جنينا نحنُ يا أماهْ؟
حتّى نموتَ مرّتين
فمرّةً نموتُ في الحياة
ومرةً نموتُ عندَ الموتْ!
هل تعلمينَ ما الذي يملأني بكاء؟
هَبي مرضتُ ليلةً.. وهدَّ جسمي الداء!
هل يذكرُ المساءْ
مهاجراً أتى هنا.. ولم يعدْ إلى الوطن؟
هل يذكر المساءْ
مهاجراً ماتَ بلا كفنْ؟
يا غابةَ الصفصاف! هل ستذكرين
أن الذي رَموْه تحتَ ظلّكِ الحزينْ
-كأيِّ شيءٍ ميّتٍ – إنسانْ؟
هل تذكرينَ أنني إنسانْ
وتفظينَ جثتي من سطوةِ الغربانْ؟
 
أمّاهُ يا أماه.
لمن كتبتُ هذهِ الأوراق
أيُّ بريدٍ ذاهبٍ يحملها؟
سُدَّت طريقُ البرِّ والبحارِ والآفاقْ..
وأنتِ يا أمّاه
ووالدي، وإخوتي، والأهلُ، والرفاقْ..
لعلّكم أحياءْ
لعلّكم أمواتْ
لعلّكم مثلي بلا عنوانْ
ما قيمةُ الإنسان
بلا وطن
بلا علَمْ
ودونما عنوانْ
ما قيمةُ الإنسانْ؟
 
 



بين ريتا وعيوني .... بندقيه
والذي يعرف ريتا ، ينحني
ويصلي

لإله في العين العسليه!
وأنا قبلت ريتا
عندما كانت صغيره
وانا أذكر كيف التصقت
بي ، وغطت ساعدي أحلى ضفيره
وانا أذكر ريتا
مثلما يذكر عصفور غديره
آه ريتا
بيننا مليون عصفور وصوره
ومواعيد كثيره
أطلقت نارا عليها ... بندقيه
إسم ريتا كان عيدا في فمي
جسم ريتا كان عرسا في دمي
وانا ضعت بريتا ... سنتين
وهي نامت فوق زندي سنتين
وتعاهدنا على أجمل كأس ، واحترقنا


في نبيذ الشفتين
وولدنا مرتين
آه.......ريتا
أي شيىء رد عن عينيك عيني
سوى إغفاءتين
وغيوم عسليه
قبل هذي البندقيه !
كان يا مكان
يا صمت العشيه
قمري هاجر في الصبح بعيدا
في العيون العسليه
والمدينه


كنست كل المغنين ، وريتا
بين ريتا وعيوني .... بندقيه

 


عابرون في كلام عابر
ايها المارون في الكلمات العابرة
احملوا أسمائكم وانصرفوا
وأسحبوا ساعاتكم من وقتنا ،و أنصرفوا
وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة
و خذوا ما شئتم من صور،كي تعرفوا
انكم لن تعرفوا
كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء
***
ايها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف - ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنا
منكم دبابة اخرى- ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص..و انصرفوا
وعلينا ،نحن، ان نحرس ورد الشهداء
و علينا ،نحن، ان نحيا كما نحن نشاء
***
ايها المارون بين الكلمات العابرة
كالغبار المر مروا اينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة
خلنا في ارضنا ما نعمل
و لنا قمح نربيه و نسقيه ندى اجسادنا
:و لنا ما ليس يرضيكم هنا
حجر.. او خجل
فخذوا الماضي،اذا شئتم الىسوق التحف
و اعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، ان شئتم
على صحن خزف لناما ليس يرضيكم ،لنا المستقبل ولنا في ارضنا ما نعمل
***
ايها المارون بين الكلمات العابره
كدسوا اوهامكم في حفرة مهجورة ، وانصرفوا
واعيدوا عقرب الوقت الى شرعية العجل المقدس
!او الى توقيت موسيقىمسدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا ، فانصرفوا
ولنا ما ليس فيكم : وطن ينزف و شعبا ينزف
وطنا يصلح للنسيان او للذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة
آن ان تنصرفوا
وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا يننا
آن ان تنصرفوا
ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتو بيننا
فلنا في ارضنا مانعمل
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الاول
ولنا الحاضر،والحاضر ، والمستقبل
ولنا الدنيا هنا...و الاخرة
فاخرجوا من ارضنا
من برنا ..من بحرنا
من قمحنا ..من ملحنا ..من جرحنا
من كل شيء،واخرجوا
من ذكريات الذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة!..


عاشق من فلسطين

عيونك شوكه في القلب
توجعني وأعبدها
وأحميها من الريح
وأغمدها وراء الليل والاوجاع .............أغمدها
فيشعل جرحها ضوء المصابيح
ويجعل حاضري غدها
أعز علي من روحي
وأنسى بعد حين في لقاء العين بالعين
بأنا مره كنا وراء الباب أثنين !
كلا مك كان أغنيه
وكنت أحاول الإنشاد
ولكن الشقاء أحاط بالشفه الربيعيه
كلامك كالسنونو طار من بيتي


فهاجر باب منزلنا وعتبتنا الخريفيه
وراءك حيث شاء الشوق
وأنكسرت مرايانا
فصار الحزن ألفين
ولملمنا شظايا الصوت
لم نتقن سوى مرثية الوطن
سنزرعها معا في صدر جيتاره
وفوق سطوح نكبتنا سنعزفها
لأقمار مشوهه .........وأحجار
ولكني نسيت نسيت يا مجهولة الصوت
رحيلك أصدأ الجيتار ............ أم صمتي ؟!
رأيتك أمس في الميناء
مسافر بلا أهل .....................بلا زاد
ركضت اليك كالأيتام
أسأل حكمة الاجداد
لماذا تسحب البياره الخضراء
الى سجن الى منفى الى ميناء
وتبقى رغم رحلتها
ورغم روائح الأملاح والأشواق
تبقى دائما خضراء ؟
وأكتب في مفكرتي
أحب البرتقال وأكره الميناء
وأردف في مفكرتي :
على الميناء
وقفت وكانت الدنيا عيون شتاء
وقشر البرتقال لنا وخلفي كانت الصحراء


رأيتك في جبال الشوك
راعيه بلا أغنام
مطارده وفي الأطلال
وكنت حديقتي وأنا غريب الدار
أدق الباب يا قلبي
على قلبي
يقرم الباب والشباك والاسمنت والاحجار
رأيتك في خوابي الماء والقمح
محطمه . رأيتك في مقاهي الليل خادمه
رأيتك في شعاع الدمع والجرح
وأنت الرئه الاخرى بجسدي
انت انت الصوت في شفتي
وأنت الماء أنت النار
رأيتك عند باب الكهف............... عند النار
معلقه على حبل الغسيل ثياب أيتامك
رأيتك في المواقد ........في الشوارع
في الزرائب في دم الشمس
رأيتك في أغاني اليتم والبؤس !
رأيتك ملء ملح البحر والرمل
وكنت جميله كالا رض....كالاطفال ..............كالفل
وأقسم :
من رموش العين سوف أخيط منديلا
وانقش فوقه شعرا لعينيك
وأسما حين أسقيه فؤاد ذاب ترتيلا
يمد عرائش الايك
سأكتب جمله أغلى من الشهداء والقبل
" فلسطينيه كانت ولم تزل "


فتحت الباب والشباك في ليل الأعاصير
على قمر تصلب في ليالينا
وقلت لليلتي : دوري !
وراء الليل والسور
فلي وعد مع الكلمات والنور
وانت حديقتي العذراء
ما دمت أغانينا
سيوفاً حين نشرعها
وأنت وفيةٌ كالقمح
ما دامت أغانينا
سمادا حين نزرعها
وأنت كنخله في البال
ما إنكسرت لعاصفه وحطاب
وما جزت ضفائرها
وحوش البيد والغاب
ولكني انا المنفي خلف السور والباب
خذيني تحت عينيك
خذيني أينما كنت
خذيني كيفما كنت
أرد إلي لون الوجه والبدن
وضوء القلب والعين
وملح الخبز واللحن
وطعم الأرض والوطن
خذيني تحت عينيك
خذيني لوحه زيتيه في كوخ حسرات
خذيني آيه من سفر مأساتي


خذيني لعبه .........حجرا من البيت
ليذكر جيلنا الآتي
مساربه الى البيت !
فلسطينية العينين والوشم
فلسطينيةالأسم الأحلام والهم
فلسطينية المنديل والقدمين والجسم
فلسطينية الكلمات الصمت والصوت
فلسطينية الصوت
فلسطينية الميلاد والموت
حملتك في دفاتري القديمه
نار أشعاري
حملتك زاد أسفاري
وباسمك ،صحت في الوديان
خيول الروم !......أعرفها
وإن تبدل الميدان
خذوا حذراً...
من البرق الذي صكته أغنيتي على الصوان
انا زين الشباب ، وفارس الفرسان
انا ومحطم الأوثان
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلق العقبان
وباسمك صحت بالاعداء
كلي لحمي إذا ما نمت يا ديدان
فبيض النمل لا يلد النسور
وبيضة الأفعى
يخبىء قشرها ثعبان
خيول الروم أعرفها
وأعرف قبلها أني
انا زين الشباب ، وفارس الفرسان !

قصيدة الأرض
 
في شهر آذار، في سنة الإنتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية.

في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات.

وقفن على باب مدرسة إبتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ.

افتتحن نشيد التراب.

دخلن العناق النهائي – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات.

العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.



أنا الأرض

والأرض أنت

خديجةُ! لا تغلقي الباب

لا تدخلي في الغياب

سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل

سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل

سنطردهم من هواء الجليل.



وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ.

سقطن على باب مدرسةٍ إبتدائيةٍ.

للطباشير فوق الأصابع لونُ العصافيرِ.

في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها.



-2-

أُسمّي الترابَ امتداداً لروحي

أُسمّي يديّ رصيفَ الجروح

أُسمّي الحصى أجنحة

أسمّي العصافير لوزاً وتين

وأستلّ من تينة الصدر غصناً

وأقذفهُ كالحجرْ

وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين.



-3-

وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،

وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.

أبي كان في قبضة الإنجليز.

وأمي تربّي جديلتها وامتدادي على العشب.

كنت أحبّ "جراح الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة، مرّ الرصاص على قمري الليلكي فلم ينكسر،



غير أنّ الزمان يمرّ على قمري الليلكي فيسقطُ سهواً...

وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض

في شهر آذار تنتشرُ الأرض فينا

مواعيد غامضةً

واحتفالاً بسيطاً

ونكتشف البحر تحت النوافذ

والقمر الليلكي على السرو

في شهر آذار ندخلٌُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حبّ

وتنهمرُ الذكريات على قريةً في السياج

وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل

كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟



في شهر آذار ندخلُ أوّل حبٍّ

وندخلُ أوّل سجنٍ

وتنبلجُ الذكريات عشاءً من اللغة العربية:



قال لي الحبّ يوماً: دخلت إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاع بي الحلم. قلت تكاثرْ!

تر النهر يمشي إليك.



وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.



-4-

بلادي البعيدة عنّي.. كقلبي!

بلادي القريبة مني.. كسجني!

لماذا أغنّي

مكاناً، ووجهي مكانْ؟

لماذا أغنّي

لطفل ينامُ على الزعفران؟

وفي طرف النوم خنجر

وأُمي تناولني صدرها

وتموتُ أمامي

بنسمةِ عنبر؟



-5-

وفي شهر آذار تستيقظ الخيل

سيّدتي الأرض!

أيّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموّج، بعدي؟

وأيّ نشيدٍ يلائم هذا الندى والبخور

كأنّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطين في بدئها المتواصل

هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة-

هذا نشيدي

وهذا خروجُ المسيح من الجرح والريح

أخضر مثل النبات يغطّي مساميره وقيودي

وهذا نشيدي

وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.

في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.

سيّدتي الأرض!

والقمم اللّولبية تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ

بين الرماح وبين دمي.

نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا

ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا



وفي شهر آذار ينخفضُ البحر عن أرضنا المستطيلة مثل

حصانٍ على وترِ الجنس



في شهر آذار ينتفضُ الجنسُ في شجر الساحل العربي

وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن

يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن

أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني وأن تسكنين صهيلك

أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية

أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟

وهذا ربيعي الطليعي

وهذا ربيعي النهائيّ



في شهر آذار زوّجتُ الأرضُ أشجارها.



-6-

كأنّي أعود إلى ما مضى

كأنّي أسيرُ أمامي

وبين البلاط وبين الرضا

أعيدُ انسجامي

أنا ولد الكلمات البسيطة

وشهيدُ الخريطة

أنا زهرةُ المشمش العائلية.

فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل

من البدء حتّى الجليل

أعيدوا إليّ يديّ

أعيدوا إليّ الهويّة!



-7-

وفي شهر آذار تأتي الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال

وتأتي العصافير غامضةً كاعتراف البنات

وواضحة كالحقول

العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات.

خديجة!

- أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبّهن الجديد؟

- ذهبن ليقطفن بعض الحجارة-

قالت خديجة وهي تحثّ الندى خلفهنّ.



وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة. خمس بناتٍ يخبّئن حقلاً من القمح تحت الضفيرة. يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن خمس رسائل:



تحيا بلادي

من الصفر حتّى الجليل

ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.

خديجةُ! لا تغلقي الباب خلفك

لا تذهبي في السحاب

ستمطر هذا النهار

ستمطرُ هذا النهار رصاصاً

ستمطرُ هذا النهار!



وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدّمويّة:

خمسُ بناتٍ على باب مدرسةٍ ابتدائية يقتحمن جنود المظلاّت.

يسطعُ بيتٌ من الشعر أخضر... أخضر.

خمسُ بناتٍ على باب مدرسة إبتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا

البناتُ مرايا البلاد على القلب..



في شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها.



-8-

أنا شاهدُ المذبحة

وشهيد الخريطة

أنا ولد الكلماتُ البسيطة

رأيتُ الحصى أجنحة

رأيت الندى أسلحة

عندما أغلقوا باب قلبي عليّاً

وأقاموا الحواجز فيّا

ومنع التجوّل

صار قلبي حارةْ

وضلوعي حجارةْ

وأطلّ القرنفل

وأطلّ القرنفل



-9-

وفي شهر آذار رائحةٌ للنباتات.

هذا زواجُ العناصر.

"آذار أقسى الشهور" وأكثرها شبقاً.

أيّ سيفٍ سيعبرُ بين شهيقي وبين زفيري ولا يتكسّرُ !

هذا عناقي الزّراعيّ في ذروة الحب.

هذا انطلاقي إلى العمر.



فاشتبكي يا نباتات واشتركي في انتفاضة جسمي، وعودة حلمي إلى جسدي

سوف تنفجرُ الأرضُ حين أُحقّقُ هذا الصراخ المكبّل بالريّ والخجل القرويّ.



وفي شهر آذار نأتي إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا النباتات صاعدة ً في اتّجاهات كلّ البدايات.

هذا نموُّ التداعي.

أُسمّي صعودي إلى الزنزلخت التداعي.

رأيت فتاةً على شاطئ البحر قبل ثلاثين عاماً وقلتُ: أنا الموجُ، فابتعدتُ في التداعي.

رأيتُ شهيدين يستمعان إلى البحر:عكّا تجئ مع الموج.



عكّا تروح مع الموج. وابتعدا في التداعي.

ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت. خديجة! لا تغلقي الباب!

إن الشعوب ستدخلُ هذا الكتاب وتأفل شمسُ أريحا بدونِ طقوس.



فيا وطن الأنبياء...تكامل!

ويا وطن الزراعين.. تكاملْ!

ويا وطن الشهداء.. . تكامل!

ويا وطن الضائعين .. تكامل!

فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.

وكلّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونة زمّلتني.



-10-

مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مهملة

وعيناك نائمتان

أعودُ ثلاثين عاماً

وخمس حروبٍ

وأشهدُ أنّ الزمانْ

يخبّئ لي سنبلة

يغنّي المغنّي

عن النار والغرباء

وكان المساءُ مساء

وكان المغنّي يغنّي

ويستجوبونه:

لماذا تغنّي؟



يردّ عليهم:

لأنّي أغنّي

.....



وقد فتّشوا صدرهُ

فلم يجدوا غير قلبه

وقد فتّشوا قلبه

فلم يجدوا غير شعبه

وقد فتشوا صوته

فلم يجدوا غير حزنه

وقد فتّشوا حزنه

فلم يجدوا غير سجنه

وقد فتّشوا سجنه

فلم يجدوا غيرهم في القيود

وراء التّلال

ينامُ المغنّي وحيداً

وفي شهر آذار

تصعدُ منه الظلال



-11-

أنا الأملُ والسهلُ والرحبُ – قالت لي الأرضُ والعشبُ مثل التحيّة في الفجر

هذا احتمالُ الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني لكي يحصدوني

يريد الهواء الجليليّ أن يتكلّم عنّي، فينعسُ عند خديجة



يريد الغزال الجليليّ أن يهدم اليوم سجني، فيحرسُ ظلّ خديجة وهي تميل على نارها.

يا خديجةُ! إنّي رأيتُ .. وصدّقتُ رؤياي تأخذني في مداها وتأخذني في هواها.

أنا العاشق الأبديّ، السجين البديهيّ. يقتبس البرتقالُ اخضراري ويصبحُ هاجسَ يافا



أنا الأرضُ منذ عرفت خديجة

لم يعرفوني لكي يقتلوني



بوسع النبات الجليليّ أن يترعرع بين أصابع كفّي ويرسم هذا المكان الموزّع بين اجتهادي وحبّ خديجة

هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتّى رحيل الهواء عن الأرض



هذا الترابُ ترابي

وهذا السحابُ سحابي

وهذا جبين خديجة



أنا العاشقُ الأبديّ – السجينُ البديهيّ

رائحة الأرض توقظني في الصباح المبكّر..

قيدي الحديديّ يوقظها في المساء المبكّر

هذا احتمال الذهابُ الجديد إلى العمر،

لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم

يسألون عن الأرض: هل نهضت



طفلتي الأرض!

هل عرفوك لكي يذبحوك؟

وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟

وهل عرفوك لكي يذبحوك

وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟



أنا الأرض..

يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها

احرثوا جسدي!

أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس

مرّوا على جسدي



أيّها العابرون على جسدي

لن تمرّوا

أنا الأرضُ في جسدٍ

لن تمرّوا

أنا الأرض في صحوها

لن تمرّوا



أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها

لن تمرّوا

لن تمرّوا

لن تمرّوا




وعــاد فـي كـفـن
 
يحكونَ في بلادنا
يحكونَ في شَجَنْ
عن صاحبي الذي مضى
وعادَ في كفنْ
كانَ اسمهُ...
لا تذكروا اسمَه !
خلّوهُ في قلوبنا...
لا تدعوا الكلمه
تضيعُ في الهواءِ كالرماد..
خلّوهُ جرحاً راعفاً.. لا يعرفُ الضمادْ
طريقهُ إليهِ
أخافُ يا أحبتي.. أخافُ يا أيتامْ..


أخافُ أن ننساه في زحمةِ الأسماءْ
أخافُ أن يذوبَ في زوابعِ الشتاء !
أخافُ أن تنامَ في قلوبنا
جراحنا..
أخافُ أن تنامْ
2
العمرُ.. عمرُ برعمٍ لا يذكرُ المطرْ..
لم يبكِ تحتَ شرفةِ القمر
لم يوقفِ الساعاتِ بالسهر
وما تداعتْ عندَ حائطٍ يداه..
ولم تسافرْ خلفَ خيطِ شهوةٍ.. عيناه !
ولم يقبِّلْ حلوةً..
لم يعرفِ الغزلْ
غيرَ أغاني مطربٍ ضيّعهُ الأملْ
ولم يقلْ لحلوةٍ: الله !
إلا مرّتين !
لم تلتفت إليه.. ما أعطتهُ إلا طرفَ عين
كانَ الفتى صغيراً..
فغابَ عن طريقها
ولم يفكّر بالهوى كثيراً..!
3
يحكونَ في بلادنا
يحكونَ في شجنْ
عن صاحبي الذي مضى
وعادَ في كفنْ
ما قالَ حينَ زغردتْ خُطاهُ خلفَ الباب
لأمّه: الوداع !
ما قالَ للأحبابِ.. للأصحاب:
موعدُنا غداً !
ولم يضعْ رسالةً.. كعادةِ المسافرين
تقولُ إني عائدٌ وتسكتُ الظنون
ولم يخطَّ كلمةً..
تضيءُ ليلَ أمه التي..
تخاطبُ السماءَ والأشياء،
تقولُ: يا وسادةَ السرير !
يا حقيبةَ الثياب !
يا ليلُ ! يا نجومُ ! يا إلهُ ! يا سحاب!
أما رأيتم شارداً.. عيناهُ نجمتان؟
يداهُ سلّتانِ من ريحان
وصدرهُ وسادةُ النجومِ والقمرْ
وشعرهُ أرجوحةٌ للرّيحِ والزهرْ!
أما رأيتم شارداً
مسافراً لا يحسنُ السفر؟!
راحَ بلا زوّادةٍ.. من يطعمُ الفتى
إن جاعَ في طريقهِ
من يرحمُ الغريب؟
قلبي عليهِ في غوائلِ الدروبْ
قلبي عليكَ يا فتى.. يا ولداه!
قولوا لها، يا ليلُ! يا نجومُ!
يا دروبُ! يا سحاب!
قولوا لها: لن تحملي الجواب
فالجرحُ فوقَ الدمعِ.. فوقَ الحزنِ والعذاب
لن تحملي.. لن تصبري كثيراً
لأنه..
لأنه ماتَ، ولم يزلْ صغيراً !
4
يا أمَّهُ !
لا تقلعي الدموعَ من جذورها !
للدمعِ يا والدتي جذور،
تخاطبُ المساءَ كلَّ يومٍ
تقولُ: أينَ قافلةُ المساءِ؟
من أينَ تعبرين؟
غصّتْ دروبُ الموتِ.. حينَ سدَّها المسافرون
سُدَّت دروبُ الحزنِ.. لو وقفتِ لحظتينِ
لحظتين!
لتمسحي الجبينَ والعينين
وتحملي من دمعنا تذكار
لمن قضَوا من قبلنا.. أحبابنا المهاجرين
يا أمهُ!
لا تقلعي الدموعَ من جذورها
خلّي ببئرِ القلبِ دمعتين!
فقد يموتُ في غدٍ أبوهُ.. أو أخوهُ
أو صديقهُ أنا
خلّي لنا..
للميّتين في غدٍ لو دمعتين.. دمعتين !
5
يحكونَ في بلادنا عن صاحبي الكثيرا
حرائقُ الرصاصِ في وجناتهِ
وصدره.. ووجهه..
لا تشرحوا الأمورا !
أنا رأيتُ جرحهُ
حدَّقتُ في أبعادهِ كثيرا
"قلبي على أطفالنا"
وكلُّ أمٍّ تحضنُ السريرا !
يا أصدقاءَ الراحلِ البعيد
لا تسألوا: متى يعود؟
لا تسألوا كثيراً
بل اسألوا: متى
يستيقظُ الرجال !؟
 
 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لدى الشعب الفلسطيني المشرد

Free Web Hosting